“المتجمد الشمالي” إلى حلبة المنافسة
تقرير إخباري
تقارب الحليفين الصيني والروسي أثار حفيظة حلف شمال الأطلسي “ناتو”، ما جعل الأخير يقرع ناقوس الخطر للملمة قواه وجمع إمكانات أعضائه لضرورة الاستعداد خشية اندلاع نزاع في منطقة القطب الشمالي.
هذا التقارب جعل المنطقة في حلبة تنافس بين الدول العظمى توشك أن تتحوّل إلى صراع، وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وغياب التنافس بين القوى العظمى، فهي وفق الخبيرة الأمريكية المتخصّصة بالشؤون الدولية والإستراتيجية، إيرينا تسوكرمان، باتت على مدار العقود الماضية موقعاً جيوسياسياً استراتيجياً سواء من حيث السباق على الموارد الطبيعية أم كمسارات جغرافية للتجارة الدولية، بما في ذلك شحنات النفط، حيث أدّى ذوبان الغطاء الجليدي في القطب إلى جعل المنطقة أكثر سهولة للشحن واستخراج النفط والغاز ما جعل البلدان المجاورة والنائية تسعى إليها بشكل متزايد.
والأمر الذي أثار حفيظة الناتو وفق محللين استراتيجيين، هو الحقوق السيادية التي مُنحت لروسيا ودول أخرى بموجب معاهدة “سبيتسبيرجن” عام 1920 في جزر سفالبارد، ومن بينها حق البحث العلمي والبيئي والتنقيب واستغلال المناجم والثروة السمكية وخلافه، إضافة إلى نزع السلاح فيها وعدم قدرة الناتو على نشر أي قوات حتى وإن كانت خفيفة في أرخبيل الجزر، وكذلك التموضع الاستراتيجي للأسطول الشمالي للبحرية الروسية الذي يعدّ أقوى أسطول بحري تمتلكه موسكو في موقع أقرب للأرخبيل مقارنة بتموضع الناتو في بحر بارنتس.
قلق الناتو لم يكن عن عبث وفق رئيس اللجنة العسكرية في الحلف الذي حذر من تطوّر علاقات الجانبين الروسي والصيني، ونبّه الحلف إلى ضرورة الاستعداد للنزاع في منطقة القطب الشمالي، لأن روسيا تملك القدرة على العمل الفعّال هناك، في الوقت الذي يعزّز فيه الأخير من قدراته العسكرية، وهذا ما ستردّ عليه روسيا بعدة إجراءات، بعد أن رفضت اتهامات الحلف لها بالعسكرة من خلال توظيفها موارد كبيرة في القواعد الجوية وغيرها من منشآت البنية التحتية الحيوية في القطب.
تخوّف أعضاء الناتو من التقارب الصيني الروسي ترجمه بيان للأطلسي نشره موقع “نيوزري” الروسي، حيث كشف البيان أن الشراكة الإستراتيجية العميقة بين البلدين تتعارض مع قيم الناتو ومصالحه، وهذا البيان عدّته الصين تشويهاً لسياستها وسمعتها، مشيرة إلى أن الناتو يبحث عن ذرائع للتوسّع في المحيط الهادي.
كل ذلك دفع الناتو إلى دعوة أعضائه إلى ضرورة تكثيف التعاون مع الشركاء في آسيا من أجل مواجهة الصين، في الوقت الذي نسي فيه توسّعه في منطقة آسيا والمحيط الهادي متجاوزاً بذلك النطاق الجغرافي التقليدي وخاصة حين يطلق على نفسه اسم “منظمة إقليمية”.
ألكسندر لوكين المدير العلمي لمعهد الصين وآسيا الحديثة التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قال: إن بكين تتبنّى أطروحة موسكو القائمة على أن توسّع الناتو باتجاه الشرق هو الذي أدّى إلى الصراع الأوكراني، وأن بكين قد دعت إلى وقف الصراع في أوكرانيا والبحث عن حل سلمي للأزمة.
وفي ختام الحديث، لا شك أن القطب الشمالي هو منطقة نفوذ روسي تطمح الدول الغربية لإيجاد موطئ قدم لها فيه، بعد أن كان فيما مضى مسرحاً للمواجهات العسكرية بين القوى الكبرى في العالم الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقاً خلال فترة الحرب الباردة، فهل سيصنع الناتو من هذه المنطقة حلبة صراع مرة أخرى بعد أن زجّ أوكرانيا في المحرقة الروسية.. يتساءل مراقبون.
ليندا تلّي