أليستر كروك.. هل يقبل نتنياهو على المقامرة؟
هيفاء علي
في سياق ردود الفعل العربية الغاضبة والمستنكرة، والبعض من ردود الفعل الغربية على العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، كتب ضابط الاستخبارات البريطانية السابق، أليستر كروك، تحليله للأحداث، مبيناً جذور الصراع الراهن، ونشره موقع “ريزو انترناسيونال”. وأوضح فيه أن أصل الصراع الحالي بين الولايات المتحدة وروسيا كان إغفال معاهدة مكتوبة، في نهاية الحرب العالمية الثانية، تحدّد حدود وتعريف “مصالح” الدول الغربية، وعلى قدم المساواة، المصالح الأمنية والتجارية لروسيا والصين في قلب آسيا. وظلّ كل شيء غامضاً وغير مكتوب في نشوة ما بعد الحرب الباردة، من أجل إعطاء الولايات المتحدة مجالاً للمناورة استغلته إلى أقصى حدّ، حيث قامت بالمناورة لإعادة تسليح ألمانيا ودفع الناتو نحو أوراسيا. وكما توقع كثيرون، فإن هذا النهج الأميركي سيعني الحرب في نهاية المطاف. وبذلك، فُتحت “جبهات حرب” غير متكافئة أفقياً في العديد من المجالات مع العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
واليوم، كلّ الأنظار تتجه نحو الحرب التي تدور رحاها في منطقة الشرق الأوسط، ولكن السؤال الرئيسي هو لماذا؟ لافتاً إلى أنه في نهاية الحرب العالمية الثانية، أراد الغرب أن يكون لليهود الأوروبيين “وطن”.
والسرد السائد في الغرب هو أن الصعوبات والحروب التي أعقبت هذا الحدث، وخاصة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي كانت ببساطة نتيجة لعدم قدرة الدول العربية على قبول وجود ما سمّاها “دولة إسرائيل”. وينظر كثيرون في الغرب إلى هذا العجز باعتباره على الأقل غير عقلاني، أو في أسوأ الأحوال، باعتباره عيباً ثقافياً أساسياً.
مضيفاً أن اتفاقيات أوسلو المبرمة عام 1993، كانت بمثابة محاولة للتوصل إلى اتفاق، ولكن مرة أخرى كان كلّ شيء غامضاً، وترك “المفتاح” الأمني للاتفاقية بأكملها بالكامل لتقدير “الإسرائيليين”، ومن الواضح أن القصد من ذلك هو إعطاء “إسرائيل” أقصى مساحة للمناورة. ومع ذلك، فإن التكرار الحالي لـ”التطبيع الإبراهيمي” يلقي بالفلسطينيين “تحت الحافلة”.
وكما كان المقصود من تقدم منظمة حلف شمال الأطلسي وضع آسيا تحت سيطرة الولايات المتحدة، فإن الهيمنة الثقافية “لإسرائيل الكبرى” في الشرق الأوسط، كما كانت دوائر الحزام الأمريكي تؤمن بها، من شأنها أيضاً أن تضع الشرق الأوسط تحت تأثير الغرب.
وأضاف كروك أن ما يكمن وراء الاندفاع الحالي للمقاومة الفلسطينية متجذّر على وجه التحديد في فهم يتناقض مع ذلك السائد في الدوائر الغربية، والحقيقة المعاكسة هي أن “إسرائيل”، على مدى العقد الماضي، ابتعدت أكثر فأكثر عن الأسس التي كان من الممكن أن يُبنى عليها السلام الإقليمي الدائم، وتحركت في الاتجاه المعاكس، فدمرت الركائز التي كان من الممكن أن يقوم عليها التقارب الإقليمي. وعلى مدى العقد الماضي، عمل نتنياهو على تحويل الناخبين نحو اليمين. لقد منع هذا الأداء العالم الغربي من الفهم الكامل لما خطّط له الوزراء المتطرفون في حكومة نتنياهو، مضيفاً أنه من الالتزامات الأساسية لوزراء نتنياهو بناء الهيكل اليهودي (الثالث) على جبل الهيكل حيث يوجد المسجد الأقصى حالياً، وهذا يعني ضمناً الالتزام بهدم الأقصى وبناء معبد يهودي مكانه، ويتمثل الالتزام الرئيسي الثاني في تأسيس ما يُسمّى الدولة في “أرض إسرائيل” التوراتية، وكما أوضح وزير الأمن القومي بن غفير، سيواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية خيارين: المغادرة أو العيش تحت حكم دولة يهودية عنصرية. والثالث يتكوّن من تأسيس الشريعة اليهودية (الهلاخا) بدلاً من القانون العلماني، وهذا من شأنه أن يجرد غير اليهود من وضعهم القانوني.
هذه الأسس هي التي دفعت المقاومة الفلسطينية للتحرك وتوجيه ضربتها المباغتة والصاعقة للداخل الإسرائيلي، ولا يبدو أن بايدن يرى الخطر الكامن في لغته المسعورة بشكل مفرط، حيث يقارن المقاومة “بداعش” ويؤيد رد فعل “سريع وحاسم وساحق” من نتنياهو. قد يحصل بايدن على أكثر مما يسعى إليه: مأساة في شكل انتقام شامل ضد الفلسطينيين في غزة.
وكما عرَّض فريق بايدن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للإذلال في أوكرانيا، يبدو فريق بايدن غير قادر على تصور ما يمكن أن يأتي من إذلال “إسرائيل” من خلال انتقامها في غزة، حيث كان لأوكرانيا عواقب مالية خطيرة على أوروبا.
وفي “إسرائيل”، انهار هيكلها العسكري والاستخباراتي، فهل ستتفكك الضفة الغربية؟ وهل سينتفض الفلسطينيون الذين يعيشون داخل الخط الأخضر؟.
في حال غزت القوات الإسرائيلية غزة، فمن الممكن أن تتحوّل بسهولة إلى مفرمة لحم مشتعلة، وإذا تمادى نتنياهو ووزير الدفاع غالانت -المنشغلان بالرغبة في الانتقام لأحداث السبت- فإن “إسرائيل” قد تجد نفسها في وضع خطر وجودي، لأنها بكل بساطة محاطة بعشرات الآلاف من الصواريخ الذكية وطائرات بدون طيار، فهل سيقبل نتنياهو، الذي أنهكه الغضب والذعر، على المقامرة؟.