حقائق
عبد الكريم النّاعم
ما أنا بصدده – وأعني جميعنا – قد لا يحمل الكثير من الجديد، ولكنْ لا بدّ من قول ما، كي لا ينفجر الدماغ لهول ما يجري، وتتطاير النفس شظايا، أين منها شظايا سماوات فلسطين المحتلّة! ورغم قناعتي أنّ كلّ الكلام يبدو قزماً في قدرته على التعبير عمّا نشاهد، فإنّ مَن لا يملك غير الكلام يقول: “تلك بضاعتي وأنا فيها صادق، لا أُداهن، ولا أغشّ، ولا أقول إنّنا وحيدون في هذه المنطقة المُبتلاة بقيادات الغرب، منذ أن تطلّع الطامعون الغزاة الغربيّون لنهب خيرات هذه المنطقة، منذ أيام نابليون حتى الآن”.. لا أقول إنّنا وحيدون فشعوب العالم، بما فيها شعوب الدول المتغطرسة عبّرت عن غضبها، وعن استنكارها لما يجري من إبادة صهيونيّة لأهل غزّة، بدعم غربي وقح لم يعرف التاريخ تدنيّاً وسقوطاً أخلاقيّا يشابهه، اللهمّ إلاّ بعض ما كان من سفّاحي العالم، كجنكيز خان، وهولاكو، وهتلر، وإذا كان سفاحو الأزمنة القديمة لم يكن يسمع بمخازيهم الإجراميّة إلاّ المناطق القريبة، فإنّ العالم الآن كلّه يتابعه مباشرة، فأيّ عُهر هذا؟!! وأيّ وحشيّة يتمثّلها الذين لا يرون ما يحلّ بأهلنا في غزّة، ويخرجون إلى التأييد العلني، والمدد المادي للصهاينة السفّاحين، ويديرون ظهورهم، ويُغمضون أعينهم، فلا يرون أشلاء الأطفال في غزّة، ولا تدمير البيوت فوق رؤوس ساكنيها، لم يسلم من ذلك حتى المستشفيات، ولا الجوامع، ولا الكنائس، والأكثر قرفاً أنّ من هم معدودون من “أهلنا!!” إمّا صامتون، وإمّا مستنكرون بالكلام لا غير، في محاولة لتبرئة الذمّة أمام شعوبهم، وإمّا منصاعون لكل ما تريده واشنطن وتل أبيب، وفي مقدّمتهم جماعة أوسلو!!
بالرّغم من كلّ الدّمار فإنّ ثمّة حقائق جديدة تترسّخ، مُفتَتِحة آفاقاً تليق بأجنحة النسور، الشجعان، الذين ضربوا أمثلة في الابتكار، وفي القدرة على مواجهة الصهاينة بمن معهم، لابتداء أزمنة تليق بالتطلّعات العالية الموصلة إلى التحرير.
من تلك الحقائق أنّ جماهير هذه المنطقة بكاملها عبّرت عن غضبها، ففضحتْ حكامها المرتبطين بذيل الغرب، وهذا الأمر وإنْ لم يكن جديداً كل الجدّة فإنّه يُظهر موقفهمم فاقعاً، ومُخجِلاً، وذليلاً إلى أدنى درجات الذّلّ.
لا بدّ من التذكير بما كنّا قد قلناه من قبل إنّ الحريق الذي أوقدوه في سوريّة، وما يزال لم ينطفئ بعد، كان من أجل فلسطين، ولا ينفي ذلك إلاّ مكابر، أو جاهل أعمى القلب، أو عميل.
ثمة حقيقة جدّ مهمّة وهي أنّ القوى الوطنيّة، المتآزرة، أثبتت أنّها، بعبقريّتها العسكريّة، وبوضوح الرؤيا، وبصدق الانتماء قادرة على إذلال أكبر جيش في المنطقة، وهو جيش الصهاينة.
من أبرز تلك الحقائق، ارتباط واشنطن بتل أبيب، فأحد المسؤولين الكبار في أمريكا يصرّح، بما معناه، لو لم تكن “إسرائيل” موجودة لاخترعناها، وهذا يؤكّد في العمق أنّ رؤساء أمريكا، معظمهم إن لم يكونوا كلّهم، هم من المنتمين للماسونيّة الصهيونيّة.
الكثيرون منّا يتساءلون: وماذا بعد؟! والجواب علمه عند الله، فكلّ الاحتمالات واردة، من اشتعال المنطقة كلّها، وهذا ما (قد) لا ترغب فيه واشنطن، وإمّا فتح نافذة لمبادرات لوقف إطلاق النار ضمن شروط ستفرضها روح المقاومة. ولن تكون الأمور كما كانت عليه قبل “طوفان الأقصى” العظيم، وهذا يضع محور المقاومة أمام مسؤوليات مصيريّة، فإذا كانت حرب 2006 قد أثبتت أنّ بإمكان القوى المقاومة أن تذلّ الجيش الذي لا يُقهر، فإنّ “طوفان الأقصى” يشير إلى إمكانيّة هزيمة هذا المشروع، وإنْ كان الثمن غالياً، ولن تعرف هذه المنطقة الهدوء ما دامت “إسرائيل” على غطرستها، ولا بدّ من كسر كونها حاجة أمريكيّة.
aaalnaem@gmail.com