غزة و”المطارات” و”المصلحة الحيوية لأمريكا”
أحمد حسن
في خطاب إلى الأمّة، مفعم بالعواطف -على ما وصفته وكالات الأنباء “الحرّة” عامدة متعمّدة – ألقاه من المكتب البيضاوي في البيت الأبيض بعد عودته من “حملته” في “إسرائيل”، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن: “حماس وبوتين يمثّلان تهديداتٍ مختلفة، لكنهما يشتركان في هذا الأمر: كلاهما يريد القضاء بالكامل على ديموقراطية مجاورة”.
وإذا تجاهلنا كمية “الدجل” التي احتاج إليها الرجل للربط بين دولة عظمى كروسيا وفصيل محدّد في فلسطين، وتجاهلنا معها مدى “الصدق” في توصيف “ديمقراطية مجاورة” لأوكرانيا وإسرائيل، فإننا لا نستطيع أن نتجاهل الخلاصة “البسيطة” التي وصل إليها بايدن من تحليله “المميز” هذا، ومفادها “أنّ تقديم دعم عسكري لإسرائيل وأوكرانيا يمثّل مصلحة حيويّة للولايات المتّحدة”، فهنا تحديداً لبّ الموضوع، أي “المصلحة الحيوية” للولايات المتحدة، وتلك “مصلحة” تُترجم، على ما يعرفه العالم أجمع، كما يلي: أولوية دوام النهب الأمريكي للعالم، وهذا ما يستلزم دوام، أو استدامة، الاضطرابات والحروب في مناطقه “الحيوية” المختلفة، وهي “مصلحة” لا تُعنى فقط باستراتيجية أمريكا كإمبراطورية عظمى، بل أيضاً، وأحياناً أولاً، بالمصالح “الحيوية الانتخابية الداخلية” الشخصية كما في الحالة “البايدانية” الراهنة، كما تُعنى أيضاً بقضية حيوية مثل زيادة دخل صانعي الحروب، أي المجمع الصناعي العسكري الحاكم، الفعلي، في واشنطن العاصمة.
هنا يصبح الإصرار على مواجهة روسيا حتى آخر أوكراني مماثلاً في الأهمية لعرقلة مجلس الأمن الدولي ومنعه من إدانة “مجزرة الكلية الحربية في حمص” ذات الأصابع المعروفة إياها، وهما يتضافران في “الأهمية” مع الدعم الفعلي واللوجستي للعدوان الصهيوني المتكرّر على مطاري دمشق وحلب، وتزامنه مع “هجمات شنّتها مجموعات تابعة لتنظيم داعش على مواقع للجيش السوري في بادية حمص الممتدة إلى منطقة التنف”، كما في السعي المحموم لمحاولة تمرير قرار في مجلس الأمن يالقول إن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها”، وإذا جمعنا ذلك كلّه، مع سواه أيضاً، تصبح نهاية قمة مصر للسلام – بغض النظر عن ملابسات انعقادها ونوعية المدعوّين لها الغائبين والحاضرين – دون بيان ختامي مجرّد تحصيل حاصل في سياق “المصلحة الحيوية الأمريكية”.
بهذا المعنى نفهم كيف تغيب الحقوق المشروعة ومعها القانون الدولي، وقبلهما “البشر” بحدّ ذاتهم، في غزة وسواها من المناطق الحيوية، عن “العقل السياسي” الأمريكي، والإسرائيلي بالتبعية، فلا بشر هنا وهناك، بل مجرد كائنات فائضة عن الحاجة، والأهم أنها كائنات مزعجة أيضاً، لذلك مرّ موضوع مجزرة “الكلية الحربية” و”المشفى المعمداني” بهذه السهولة في الضمير “العالمي”، ولذلك أيضاً يُطرح موضوع تهجير مليوني مواطن من غزة كأمر عادي، لأن “المصلحة الحيوية” لا تأخذ بعين الاعتبار “المؤشرات الحيوية” لبشر ما، فهي أهم من ذلك. وما ينطبق على غزة ينطبق على كل المفاصل الحيوية الأخرى، لكن الجديد في الأمر أن هؤلاء الضحايا يرفضون الموت؛ وهذا تحديداً المغزى الأكبر لإصرار دمشق على إعادة تشغيل مؤسساتها الحيوية بعد كل عدوان وإصرارها على رفع راية فلسطين كحق أصلي لا يقبل المساومة، كما هو أيضاً المغزى الأعمق لـ “طوفان الأقصى”، والنتيجة لهذا كلّه بعض ما نراه الآن، فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الإسرائيلي الأمريكي الغربي، تُبنى “الخيام” لكن للقاتل وقطعانه من المستوطنين، وليس للضحايا فقط، وذلك إنجاز له ما بعده بالتأكيد..