تحية حبّ لروح إبراهيم مؤمنة وعلي عثمان وغسان جود والشهيدة هبة زقوت في معرض جماعي
ملده شويكاني
“الغضب الساطع لم يصل إلى فلسطين”، قصاصة من الجريدة حملت هذا العنوان أقحمها الفنان الراحل غسان جود بين تدرجات ألوانه البنفسجية، لتكون عنواناً لقوافل التهجير القسري لمسير شخوصه الجماعية، راسماً حزنهم ودموعهم على ملامح وجوههم الغائبة وحركة رؤوسهم المرفوعة تتوسل لله عزّ وجل في أصعب الأوقات. وتتقدّم المرأة الفلسطينية رمز الانتماء والمقاومة القافلة، هذه اللوحة كانت من اللوحات الأخيرة التي رسمها غسان جود، وقد شغلت حيزاً في المعرض الجماعي لفنانين سوريين وفلسطينيين، والذي أقيم في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بالتعاون بين وزارة الثقافة -مديرية ثقافة دمشق- والاتحاد العام للفنانين التشكيليين الفلسطينيين لروح الفنانين الراحلين مؤخراً (إبراهيم مؤمنة وعلي عثمان وغسان جود)، وتحية خاصة لروح الفنانة التشكيلية الشهيدة هبة زقوت، التي استُشهدت مع أطفالها أثناء العدوان الغاشم على غزة، فأفردت مساحة لصورتها الفوتغرافية ضمن إطار اللوحة.
الأقصى والثوب الفلسطيني
وهيمنت القدس بين الواقعية والتعبيرية على المعرض متألقة بقبة الأقصى الشريف، كما زيّن الثوب الفلسطيني الذي واجه محاولات العدو الصهيوني طمس الهوية الفلسطينية، المطرز بمنمنمات وزخارف مستمدة من تراث مدن فلسطين المعرض، إضافة إلى مفردات التراث الفلسطيني والسوري وموضوعات تعبّر عن قوة الانتماء والتشبّث بالأرض برمزية الأنثى.
إبراهيم مؤمنة ورموز المقاومة
حفل المعرض بعرض بعض لوحات الراحلين، ورغم التقاطعات إلا أن لكل فنان بصمة خاصة وأسلوباً متفرداً، فكانت القدس بوصلتهم وحلمهم المقدس، كما صرّح الراحل إبراهيم مؤمنة الذي وُلد في مخيم النيرب في حلب، وينتمي إلى أسرة هجّرت من ترشيحا في عكا: “القدس من أجمل ما بُني في تاريخ العمارة الإسلامية والمشرقية”، واشتُهر بالتركيز على رموز المقاومة فشغلت الحمامة والحصان الهائج والكوفية والبندقية والحطة الفلسطينية والسكين مواضع من لوحاته، تكاملت مع جسد الفدائي وخلفية البيوت الفلسطينية، تناغمت جميعها بألوانه الحارة المعبّرة عن نضالات الشعب الفلسطيني، وبدا هذا في لوحاته المعروضة التي امتشق الفدائي في أحدها السيف تعلوه شعلة النصر.
غسان جود والعمارة الفلسطينية
في حين عبّرت لوحات غسان جود التي أسكب عليها ألوانه البنفسجية المتماوجة مع البيوت الفلسطينية الطينية الملونة بألوان مدنها وقراها تأكيداً على إحياء التراث الفلسطيني وحق العودة، وهو الذي وُلد في مخيم خان دنون وينتمي لأسرة هجّرت من الصالحية، عمل في مدارس الأونروا وتبنى مشروعات تعليمية وفنية.
الجندي العربي السوري
أما علي عثمان ففاضت لوحاته بجمالية طبيعة الريف السوري، ولاسيما في فصلي الخريف والربيع، بواقعية يتخللها شيء من الانطباعية، وهو الذي رسم البيوت الدمشقية القديمة ناقلاً ريشته بين أزهارها، كما جسّد في معرض خاص بطولات الجيش العربي السوري.
القدس وحمامة السلام
وقد احتفى الفنانون المشاركون بالراحلين بالمشاركة بأعمالهم التي أغلبها تتعلق بالقدس بفنية مباشرة وبتورية، فلفتت الانتباه لوحة موفق السيد التي جسّد فيها تاريخ قبة المسجد الأقصى من بعيد لتتوقف ريشته عند الكنيسة ومئذنة الجامع، وتحطّ الحمامة البيضاء على الرخام الأبيض لتكون شاهدة على أنشودة السلام وتاريخ فلسطين الباقية للعرب.
مفرادت التراث
وتعدّدت الطبيعة الصامتة ومفردات التراث الفلسطيني الجرة والستارة المزركشة المرتبطة بمفتاح البيت الذي رافق سنوات تهجير الفلسطينيين وحق العودة في لوحة رندة تفاحة. بينما ريم قبطان دمجت بين التراثين الدمشقي والفلسطيني بشخصية المولوي والمسجد الأقصى وبتناغم أغصان الزيتون. في حين جسّد سامر الصعيدي قبة الصخرة بأسلوب تعبيري تحيط بها واحة من أزهار شقائق النعمان بكثافة لونية.
الثوب الفلسطيني
وتميزت لوحة الفنانة حنان محمد بالمرأة الفلسطينية المرتدية الثوب الفلسطيني والتي تصرّ على العودة والتمسك بجذورها المرتبطة بخلفية اللوحة بالمسجد الأقصى، ترفرف حولها حمامة السلام.
خطوط رمزية
كما شارك علي جروان بلوحة تعبيرية تدخل بخطوط الرمزية بدلالة طيور السلام والحلم المنشود بالعودة، وبدلالة تدرجات اللون الواحد الأخضر المهيمن على اللوحة مع أبواب تنتظر سكانها ورسائل الشتات تناغمت مع الأخضر بتأثيرات الأحمر والبنفسجي.
الصراع والخطّ الأسود
وعبّر الفنان بشير بشير عن الصراع بين الخير والشر بامتدادات وتعرجات الخط الأسود على خلفية تطغى عليها دلالات الرمادي ضمن مساره المتفرد بالتشكيل الحروفي وتوظيف الحرف كعنصر تشكيلي بأسلوب تجريدي.
ويبقى الحضور الآسر والتأثير الخاص للوحات محمد الركوعي من أبناء غزة، والراحل عبد المعطي أبو زيد الحاضر الغائب.
المقاوم باللون
وأثناء تجول “البعث” بالمعرض توقفت مع الفنان الفلسطيني باسل جود شقيق الراحل غسان جود وتلميذه، فتحدث عن دور الفنان التشكيلي بالمقاومة ووصفه بـ”المقاوم باللون”، مؤكداً أن فلسطين هي القضية المركزية للفنان الفلسطيني والسوري على حدّ سواء.
وعقّب على لوحته المشاركة التي جسدها بأسلوب الواقعية التعبيرية، ابتداء من الأنثى بداية التكوين والتي شغلت جانباً من اللوحة بملامحها الهادئة، تتزين بقرط يتكون من نافذة رباعية برمزية تحمل رسالة إلى كل العالم بأن القضية الفلسطينية مستمرة، وأنه لا مساومة على كامل الأراضي الفلسطينية. ونوّه باستخدامه اللون البنفسجي المعروف منذ عصور ما قبل التاريخ باللون الملكي لصعوبة الحصول عليه، وأن هيمنته على القسم الأكبر من اللوحة يدلّ على أهمية الموضوع، ومن ثم فتح المجال لانعكاس اللون الذهبي والأخضر على البيوت المتلاصقة، تتخللها قضبان يقف خلفها الأسير، وينتشر الشهداء في مواضع وتومئ عين الأرض الخضراء الدامعة إلى الحياة المتجدّدة. وأشار إلى الفكرة المهمّة بالدمج بين القضيتين الفلسطينية والسورية بقبة المسجد الأقصى وامتداد مساحة الجامع الأموي.
مبادرة وفاء
وتابعت “البعث” مع نعيمة سليمان مديرة ثقافة دمشق، فبيّنت أن المعرض الجماعي ترافق مع ندوة وشهادات من الأهل والأصدقاء تعبّر عن دور الراحلين بالمشهد التشكيلي والحياتي، منوّهة بأن هذه الفعالية هي مبادرة لردّ الوفاء بالوفاء، إذ ساهم الراحلون بالمشاركة بنشاطات المراكز الثقافية وإقامة نشاطات بمبادرات منهم، وكانوا أوفياء للثقافة، وأقل ما نقدمه أن نكرّمهم بتحية حبّ ووفاء لأرواحهم، وستبقى أعمالهم شاهداً على عطائهم.
ومن الزائرات هنادي جمعة التي أشادت بمبادرة وزارة الثقافة –مديرية ثقافة دمشق– المعبّرة عن الوفاء لراحلين سيبقون بالقلب والفكر.