حراس الحقيقة وشهداؤها
سلوى عباس
كما في كل حرب يكون للإعلاميين حصتهم منها سواء بإصاباتهم أم باستشهادهم، إذ لا يخفى على أحد أن معركتنا مع أعدائنا إعلامية قبل أي شيء آخر، لذلك ارتقى العديد من الإعلاميين والصحافيين شهداء في حروب منطقتنا العربية وهم يحاولون إيصال الصورة الحقيقية عما يجري، سلاحهم أقلامهم وكاميراتهم وميكروفوناتهم، وقد أثبت هؤلاء الإعلاميون عبر مسيرتهم المهنية إيمانهم الكبير بقضيتهم العادلة وبدورها الثقافي والإنساني، مؤكدين أن الوطن يكبر بأبنائه ويكبرون به، يصونونه ويدافعون عنه، وكل شخص سيبقى تاريخه ملازماً له وحده، وسيتجلى كل إنسان بضميره الذي يخدم قضيته، فهم يتمثلون ثقافة المقاومة التي هي ثقافة الحريات والعدالة وكرامة الإنسان والأوطان، وقضية وجودية ترتبط بكينونة الإنسان المقاوم، وبمدى معرفته الواعية للذات وللتحديات التي تواجهه، وبامتلاكه لرؤية تتناسب مع أهداف هذه المقاومة يحكمها نظام قيمي وطني وإنساني.
لقد نذر إعلاميو المقاومة عمرهم للمهنة التي أحبوها وكانت رسالتهم الحياتية، متبعين في تغطياتهم الصحفية أسلوباً صحافياً متميزاً، يرابطون في المكان الذي يتوقعون أن يشهد حدثاً، يجلسون بين الناس الذين اختاروا مهنة الصحافة ليكونوا قريبين منهم، يرصدون الحكاية بكل تفاصيلها، يستمعون إلى حديث أبطال تقاريرهم، يحاول الغوص في مكنونات نفوسهم، ومن تلك الهواجس والمخاوف والأمنيات، يكتبون نصوص تقاريرهم، وبالتالي يقدموا روحاً جديدة للوطن ليبقى قوياً في وجه العدوان، ويرتقوا وهم يرفعون الرايات المعطرة بدمائهم الزكية الطاهرة ليرسموا معالم وطن أدركوا بيقين الحقيقة التي اصطفاهم الله لأجلها كم يستحق من تضحيات وعطاءات، لأن القضية العادلة تحتاج إلى من يحملها ويدافع عنها بالكلمة والموقف، خاصة إذا كانت بحجم عدالة القضية الفلسطينية، والإعلام لا سيما المقاوم منه هو خير من يحملها ويدافع عنها بالكلمة الصادقة والموقف القوي، لأنه يرفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ويبرز الجانب الإنساني في كفاح الشعب الفلسطيني بذكر القصص الإنسانية الحية والمؤثرة التي قد تختفي في زحمة الأحداث الساخنة وتسارع الأخبار العاجلة منها قصص بطولة وفداء، ومنها قصص تضحية ومعاناة، ومنها قصص انجازات ونجاح فردية وجماعية إيجابية، أبطالها من البؤساء الذين ضاعت أحلامهم وتلاشت آمالهم وتحطمت طموحاتهم على صخرة الاحتلال والحصار والانقسام، إذ أن ثقافة المقاومة هي التي تحافظ على هوية الصراع بأبعاده الوطنية والقومية والدينية والحضارية في إطار مشروعين يمثلان ذروة الحق والخير وذروة الباطل والشر.
لقد نذر الإعلاميون أنفسهم للحقيقة والكلمة الصادقة وقد أدركوا عندما اختاروا الإعلام رسالة لهم في الحياة أنه في هذا الزمن ليس من موقف محايد، وما من صمت، فإما أن نكون في موقف الرفض، أو نكون في موقف القبول، وهم اختاروا الإعلام والصحافة ليكونوا شركاء في صناعة الرأي العام، ولإيمانهم بأن سلاح الكلمة والصوت والصورة من أقوى الأسلحة، بها تُخاض المعارك الكبرى وهي حروب الجيل الجديد، ومهما كانت الجراح كبيرة لن تعيق إرادة الصمود عن مواصلة شق الدرب نحو شمس الحرية والكرامة، ومهما طغى الطوفان وارتفع فلابد آتية لحظة انحساره وتلاشيه زبداً وفقاعات فارغة على صخور الإرادة والتصدي، فكان اغتيالهم اغتيال لمبادئ الحقيقة والعدالة، لكن لا يمكن لرصاص العدو أن يقتل القضية وإيمان الناس بها، فشهداء الإعلام استطاعوا أن يعكسوا أجمل مظاهر المقاومة، ونجحوا رغم إمكاناتهم المحدودة في إيصال صوت الحقيقة إلى العالم، وستبقى مدرستهم النضالية تلقن تلاميذهم الذين تعلموا أخلاق المهنة وقيمها وآدابها منها وكيفيّة الانتِصار للعدالة سيحملون الراية من بعدهم، ويواصلون المسيرة بكل عزيمة وإصرار، فالإعلام المقاوم استطاع أن يفوز بمعركة الكلمة وتمكن من اختراق الرأي العام الغربي وتغيير مزاجه وإيصال حقيقة ما يجري في وطنه، فطوبى للشهداء، وطوبى لغزة، ولفلسطين، وطوبى للمقاومة والحياة.