لغز زراعي!!
غسان فطوم
أمام تزايد عدد المزارعين الذين كسروا الجرة وأعلنوا عدم عودتهم للزراعة في أهم محاصيل كنا نعول عليها في دعم اقتصادنا بالعملة الصعبة، كالقطن والشوندر السكري والقمح، وغيرها من الزراعات، ثمة سؤال يطرح نفسه: لماذا لا تعمل وزارة الزراعة على تعزيز العمالة الريفية للحد من تسرب الفلاحين والمزارعين، وضمان تحقيق الحماية الاجتماعية للتغلب على البطالة والفقر لشريحة كبيرة من الأسر التي تعمل في المناطق الزراعية الريفية، وباتت خبيرة فيها وقادرة على إنتاج الأفضل كماً ونوعاً، وبالنتيجة تحقيق التنمية الزراعية وتطوير القطاع الزراعي وزيادة إسهامه في تكوين الناتج المحلي الإجمالي؟!
واقع الحال يشير إلى وجود عشرات الآلاف بل المئات من الشباب العاطلين عن العمل يعيشون في الريف يمكن استثمار طاقاتهم في المشاريع الزراعية والصناعات الغذائية القائمة على المحاصيل في كل منطقة زراعية، حتى وإن تنقصهم الخبرة والمهارات، لكن يمكن تدريبهم من خلال دورات تقيمها الإرشاديات الفلاحية الزراعية المنتشرة بكثرة في المناطق الريفية، والتي تكتظ بالمهندسين الزراعيين والموظفين دون عمل!
الغريب أننا نحرص دائماً على المشاركة في المؤتمرات والملتقيات الزراعية العربية والعالمية نستعرض فيها خططنا الزراعية المكتوبة بأناقة على الورق، لكن المشكلة في تلك المشاركات أننا لا نستفيد من تجارب الآخرين في دعم قطاعنا الزراعي، وكأن دعمه بات لغزاً محيراً يحتاج لمنجمين لفك شيفرته؟!
أيضاً دائماً ما نتحدث عن إعداد التشريعات المرنة للقطاع الزراعي، وتوفير المستلزمات اللازمة له، ونقل التكنولوجيا الحديثة، عدا عن إقامة وعقد الندوات والمؤتمرات والدورات التدريبية، وتوفير السيولة النقدية في المصارف الزراعية، لكن السؤال الأخر: هل من أثر إيجابي لذلك على الأرض الزراعية التي أصبح أكثر من نصفها بوراً؟ وهل أعطت حافزاً لسواعد الفلاحين المنهكة من تعب المواسم التي لم تعد كما كانت بسبب غياب الدعم والظروف المناخية القاهرة؟
كلنا أمل أن يتم استثمار الأموال المخصصة في الموازنة العامة للدولة، للعام 2024، لدعم القطاع الزراعي بشكل جيد وفق جدول أولويات نأمل أن تكون حصة الفلاحين والمزارعين هي الأكبر حتى لا نضطرهم لبيع أراضيهم، فالجوع كافر كما يقال، وعندما يرتاح الفلاح ينمو ويتطور القطاع الزراعي ويتحقق الأمن الغذائي الوطني الذي بات في خطر.
بالمختصر، نحن بحاجة إلى تفكير مختلف في التعامل مع القطاع الزراعي، وفق جدول أولويات قابلة للتحقق، والسؤال هنا: لماذا لا يكون لدينا مركز للابتكار الزراعي من أجل مواكبة مستجدات الزراعة وإيجاد الحلول البديلة للتغلب على كل المشكلات التي تواجه مختلف أنواع الزراعات المعتمدة عندنا؟
نعتقد أن لدينا الإمكانية لذلك، ومركز البحوث الزراعية خير مثال، وإن كان يعاني، مع الأسف، من عدم الأخذ بأبحاثه ودراساته رغم أهميتها الكبيرة!