أخبارصحيفة البعث

واشنطن تضحّي بالناتو في مواجهة روسيا

تقرير إخباري    

يبدو أن واشنطن ليست مستعدّة فقط للمتاجرة بآخر مواطن أوكراني في سبيل هزيمة روسيا وإضعافها، بل إنها مستعدّة أيضاً لمقاتلة روسيا بآخر جندي ينتمي إلى حلف شمال الأطلسي “ناتو”، وهذا ما تركّز عليه في أغلب اجتماعات الناتو الأمنية والعسكرية، فالحلف الذي أنفق أغلب ترسانته العسكرية في دعم النظام الأوكراني في حربه على روسيا بالوكالة عن الغرب الجماعي، مطلوب منه الآن أن ينفق ما تبقى من قدراته العسكرية في استفزاز روسيا واستعدائها.

ورغم أن هناك أصواتاً كثيرة تعالت في الآونة الأخيرة في الدول الأوروبية المنضوية تحت إطار الحلف بضرورة عدم الانجرار وراء الرغبات الأمريكية كثيراً فيما يتعلّق باستعداء روسيا وزيادة حجم الدعم العسكري المقدّم لأوكرانيا في مواجهتها، غير أن هذه الدول لا تزال تُساق من الولايات المتحدة على صورة قطيع من الأغنام، فأيّ جُحر تدخله واشنطن تدخله هذه الدول وراءها، حيث تجد نفسها مضطرّة في نهاية معارضتها الظاهرية للانسياق خلف الرغبة الأمريكية والانصياع لأوامرها.

ومن هنا يستطيع مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الأوروبية والأوراسية جيمس أوبراين أن يقول: إن واشنطن تعتقد أن الوجود العسكري لـ”الناتو” في منطقة البحر الأسود يجب أن يظل واسعاً، في إشارة وربما أمرٍ لهؤلاء للحضور بأساطيلهم إلى منطقة البحر الأسود دون النظر في العواقب الممكنة لهذا الاستفزاز، وخاصة مع وجود دعم غير محدود من هذه الدول للنظام الأوكراني في حربه على روسيا يؤكّد تورّطها في الحرب مباشرة.

فالتعاون الأمني ​​الإقليمي من خلال الحفاظ على وجود قوي لحلف شمال الأطلسي في منطقة البحر الأسود يقتضي مشاركة الحلفاء الإقليميين بالضرورة بهذا الوجود على مستوى أساطيلهم، وإجراء تدريبات ومناورات مشتركة، وتقديم المساعدة الأمنية، ولا يحتاج هذا الأمر إلا إلى الحديث عن جميع الحلفاء بالقول: “سنواصل الحفاظ على وجود عسكري ملحوظ لحلف شمال الأطلسي في منطقة البحر الأسود”.

وهذا طبعاً يمكن أن يؤكّد أن قول وزير دفاع بريطانيا غرانت شابس في وقت سابق من هذا الشهر في حديث لصحيفة “تلغراف”: إن بلاده تبحث “الدور الذي يمكن أن يؤدّيه أسطولها في حماية السفن التجارية من التدابير الروسية في البحر الأسود”، جاء أصلاً تنفيذاً لرغبة أمريكية في ذلك، الأمر الذي أجبر رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إلى التملّص من هذا التصريح.

ولا يحتاج الأمر طبعاً إلى مزيد من الجهد الأمريكي في التحريض على ذلك، فبمجرّد أن يتم الإيحاء بأن “بريطانيا دولة حربية بحرية”، أو قول الأدميرال البحري الأمريكي المتقاعد جيمس ستافريديس: إن سفن الولايات المتحدة ودول “الناتو” يمكنها مرافقة سفن الحبوب في البحر الأسود، وفي حالة التهديد، فتح النار على سفن البحرية الروسية، تتضخّم الأنا البريطانية لتنتج هذا النوع من التصريحات التي لا تتعدّى استعراض العضلات ليس إلا.

ولكن أحلام الناتو، وواشنطن من خلفه، غالباً ما تصطدم بقول الخبراء الأكثر عقلانية في هذا الحلف، ومن بينهم الخبير العسكري البريطاني جاك واتلينج: إن روسيا تمتلك التكنولوجيا اللازمة لمراقبة قوات الناتو، مشيراً إلى أن روسيا تمتلك أنظمة متقدمة، حتى إن القوات المسلحة الأوكرانية لم تتمكّن من حماية أفضل ضباطها، الذين كانوا يؤدّون دوراً رئيسياً في ساحة المعركة، فكيف سيستطيع الناتو بدوره القيام بذلك في مواجهتها، فهو في خلاصة القول، يحتاج إلى التفكير في كيفية تطوير الأساليب القتالية، في ظروف القتال المعاصرة، وهذا ليس متوفّراً لديه حالياً، لأن روسيا تفوقه كثيراً في ذلك.

طلال ياسر الزعبي