ازدواجية المعايير تتجلى في الحرب على غزة
عائدة أسعد
بالإضافة إلى النفاق والمعايير المزدوجة التي أظهرها العديد من القادة ووسائل الإعلام الغربية، صدمت الخسائر البشرية والمعاناة الكارثية التي لحقت بالمدنيين التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد غزة العالم أجمع.
استمر المسؤولون الأمريكيون في الدفاع عن حق “إسرائيل” في الدفاع عن نفسها بغضّ النظر عن العدد المرتفع للقتلى المدنيين في غزة والذي تجاوز 7000، بما في ذلك أكثر من 2300 طفل.
وفي حين أدان الزعماء الغربيون هجمات المقاومة في 7 تشرين الأول، إلا أنهم لم يدينوا الهجمات العشوائية الإسرائيلية على غزة، على الرغم من حقيقة أن الهجمات الإسرائيلية أدّت إلى مقتل العديد من عمال الإغاثة التابعين للأمم المتحدة، وأكثر من 20 صحفياً لم تحدث أي فرق بالنسبة للزعماء الغربيين.
وهاهم السياسيون الغربيون الذين لم يهدروا أي فرصة لاتهام الدول الأخرى بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، فجأة، لا يعرفون كيف يصفون ذبح الآلاف من المدنيين الأبرياء في غزة على الرغم من المأساة التي تجري أمام كاميرات وسائل الإعلام.
والآن بعد أن أعلنت “إسرائيل” حصارها على قطاع غزة، وقطع إمدادات المياه والغذاء والوقود والكهرباء عن القطاع، لا بدّ من تذكير رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بتغريدتها في 19 من تشرين الأول 2022، والتي كتبت فيها “إن هجمات روسيا على أوكرانيا ضد البنية التحتية المدنية، وخاصة الكهرباء، هي جرائم حرب وقطع المياه والكهرباء والتدفئة عن الرجال والنساء والأطفال مع قدوم الشتاء، هي أعمال إرهابية خالصة”.
لقد أثار النفاق والمعايير المزدوجة غضب الناس في جميع أنحاء العالم، ووقع نحو 850 مسؤولاً في الاتحاد الأوروبي رسالة إلى فون دير لاين في 21 تشرين الأول للطعن في تعهدها بالدعم غير المشروط لـ”إسرائيل”، وفشلها في القول بأن “إسرائيل” يجب أن تلتزم بالقانون الإنساني الدولي في عملياتها العسكرية.
ونقلت صحيفة “يورونيوز” المؤيدة عادة للاتحاد الأوروبي عن الأوروبيين قولهم إنهم يخجلون من كونهم أوروبيين الآن، بسبب لامبالاة قادتهم السياسيين تجاه الفلسطينيين. كما فشلت أيضاً معظم وسائل الإعلام الرئيسية في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في تقديم تقارير موضوعية عن الصراع، وحسب شبكة “سي إن إن” هناك العديد من القصص الشخصية عن المستوطنين، وأحياناً كان المذيعون يبكون، في الوقت ذاته لم يظهروا أي اهتمام بمثل هذه القصص بين الضحايا الفلسطينيين في غزة، في محاولة لتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم.
لقد كان التلاعب بالمعلومات منذ فترة طويلة مهمّة مفضلة للسياسيين ووسائل الإعلام الغربية، وينعكس هذا التلاعب في حملات التشهير المتهورة ضد الصين، لكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً في خداع الناس هذه المرة، بل إن بعض النقاد الغربيين قالوا إن الغرب فقد مصداقيته ورأيه العام العالمي هذه المرة.
وقد حاول بعض الساسة ووسائل الإعلام في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي تعديل خطابهم وتكتيكاتهم بشكل طفيف خلال الأيام القليلة الماضية، لكن انحيازهم متجذر للغاية وأصبح بالفعل عقبة أمام إيجاد حلّ سلمي قائم على وجود دولتين.
إن استخدام الولايات المتحدة حق النقض ضد القرار الذي تقدّمت به البرازيل في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، والذي يدعو إلى وقف إطلاق النار يشكل مثالاً واضحاً على الخطاب المزدوج لزعماء الغرب، وهو أشبه بتأييد المزيد من عمليات قتل الفلسطينيين، بما في ذلك النساء والأطفال، ومفاقمة معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، بحيث لا يمكن لأي قدر من المساعدات الإنسانية التي يقدمها العالم أن يعوّض معاناة الفلسطينيين الناجمة عن حق النقض.