تجنباً لفقدان المواد الأساسية..!!
علي عبود
باتت عبارة “تجنباً لفقدان المواد” مألوفةً جداً، وتكرّرها الجهات العامة والخاصة قبل تعديل أسعار منتجاتها وخدماتها، وتحديداً بعد كلّ تعديل لسعر الصرف، وبدأنا نسمع هذه المعزوفة بكثرة في الأشهر الأخيرة، بعد الحديث عن قرارات ستصدر تباعاً وصولاً إلى رفع الدعم كلياً عن كلّ السلع والمواد المدعومة إلى حدّ ما، وعن الخبز جزئياً واستبداله بدعم نقدي!.
وتتنافس الجهات العامة والخاصة برفع أسعارها مع كلّ تعديل لسعر الصرف “تجنباً لفقدان المواد من الأسواق”، والارتفاعات دائماً كبيرة، بل وصادمة، وتشمل جميع المواد الغذائية الأساسية كالحبوب والزيوت والسمون والسكر والأرز واللحوم.. الخ.
وإذا كانت “السورية للتجارة” قامت برفع الكثير من السلع والمواد التي تبيعها للمواطنين، فهل نتوقع أن تكون الجهات الخاصة من تجار وباعة مفرق، سواء في المحال أو المولات والأرصفة، “أرحم” من الجهات الحكومية؟
لا يهمّ ما تؤكده “السورية للتجارة” بأن أسعارها لاتزال أرخص من مثيلاتها في الأسواق، ولو بنسبة 30%، فالأهم أن من أصدر قرار رفع المواد “تجنباً لفقدانها من الأسواق” لم يجب على السؤال: كم عدد السوريين القادرين على شراء السلع والمواد الأساسية من صالات “السورية للتجارة” بعد رفع أسعارها بنسب غير مسبوقة.
وخلال الأشهر الماضية، قامت وزارة الصحة برفع أسعار الأدوية عدة مرات حسب (تعديل سعر الصرف وفق نشرة مصرف سورية المركزي)، وقد تجاوزت نسبة الرفع 80 بالمئة، والذريعة الدائمة “تجنباً لفقدان أي نوع من الأدوية”.
حسناً، من المنطقي ألا تباع الأدوية بأقل من تكلفتها، ولكن هل بمقدور ملايين العاملين بأجر، وتحديداً من يعانون من أمراض مزمنة، ويحتاجون إلى أدوية نوعية، شراءها بعد رفع أسعارها بنسب تجاوزت 50% على الأقل لبعض الزمر؟
نعم، إن انقطاع الدواء في السوق أمر بالغ الخطورة على المرضى، وخاصة الذين يعانون أمراضاً مزمنة، وهذا ما يشكّل خطورة على حياتهم، لكن على الحكومة أن تعي أن عجز المرضى عن شراء الدواء هو أيضاً أمر بالغ الخطورة!
ولم ينتظر أصحاب مطاعم ومحلات الأكلات الشعبية (فلافل، ومسبحة، وبطاطا، والفول.. الخ) طويلاً، فهم أيضاً رفعوا أسعارها بعد ارتفاع أسعار موادها ومستلزمات تجهيزها، وذلك (تجنباً لفقدانها من الأسواق)، وتجنباً لإغلاق محالها.
والأمر لا يقتصر على الغذاء والدواء فقط، وإنما على الخدمات أيضاً، وخاصة النقل الذي يشفط الجزء الأكبر من الرواتب والأجور، وإذا كان بإمكان ملايين السوريين الاستغناء عن السفر بين المحافظات إلا في مناسبات محدودة واضطرارية، وبالتالي لن يتأثروا برفع أجرة الراكب، فإن الأمر يختلف بالنسبة للنقل في المدن أو من الأرياف لمراكز المدن، ومع أن التسعيرة الحالية باهظة جداً وتفوق قدرة غالبية السوريين، فإن الجهات الحكومية تقوم برفع أسعار النقل العام الداخلي فور صدور قرارات ترفع أسعار المحروقات (تجنباً لفقدان هذه الخدمة) على الخطوط الداخلية.
الخلاصة: أي زيادة “ورقية” لدخل الأسرة لن تتمكّن من تغطية الأسعار التي شملت جميع السلع والخدمات الأساسية، ما لم يتمّ تعديل الرواتب أيضاً وفق سعر الصرف مثلما تفعلها الجهات الحكومية والخاصة، وتنفيذاً للسبب الموجب الذي تتذرّع به هذه الجهات دائماً، وهو “تجنباً لفقدان السلع الأساسية عن موائد ملايين السوريين”!!