دراساتصحيفة البعث

انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب الأمريكي مجرد مسألة نفعية

عناية ناصر

يؤدي انتخاب مايك جونسون رئيساً جديداً لمجلس النواب الأمريكي في نهاية المطاف، ولو بشكل مؤقت، إلى إنهاء الفوضى في مجلس النواب بعد إقالة كيفن مكارثي وعدم شغل هذا المنصب لمدة أسابيع. وباعتباره المرشح الجمهوري الرابع، تمّ انتخاب جونسون بعد أن وقع ثلاثة مرشحين ضحية للمعارك السياسية الشرسة في الولايات المتحدة.

في الواقع، لم يكن الصراع على تعيين رئيس المجلس تطوراً حديثاً، حيث خاض رئيس مجلس النواب السابق مكارثي عدة انتخابات وتسويات في مجلس الشيوخ قبل أن يتمّ اختياره. ومع ذلك، يعتقد بعض الذين صوّتوا لمصلحته أن العديد من تصرفات مكارثي خيانة لهم، مما أدى إلى عزله من منصبه. ويسلّط هذا الأمر الضوء على الاستقطاب الحاد في السياسة الأمريكية، مع ضيق المجال للتوصل إلى تسوية، سواء داخل الحزب الجمهوري أو بين الجمهوريين والديمقراطيين. وقال شو ليانغ، الأستاذ المشارك في كلية العلاقات الدولية بجامعة بكين للدراسات الدولية: “إن انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب هو مجرد مسألة نفعية”.

وتشير حقيقة حصول جونسون على دعم جميع الجمهوريين الذين أدلوا بأصواتهم وعددهم 220، إلى أن الجمهوريين مصمّمون على عدم السماح للديمقراطيين بالحصول على ميزة إضافية. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، من الأهمية بمكان أن يقدّم الحزب الجمهوري صورة أكثر تماسكاً وتوحداً. لذلك، من المتوقع أن تكون الجولة المقبلة من الصراع الحزبي بين الحزبين أكثر شراسة.

وعلى الرغم من انتخاب رئيس مجلس النواب، فقد أظهرت السياسة الأمريكية علامات الانقسام والتدمير الذاتي، الأمر الذي سيكون له تأثير سلبي على الشؤون الداخلية والخارجية في الولايات المتحدة. إن هذا السلوك المدمّر للذات من جانب السياسة الأمريكية يعتبر بمثابة ضربة قوية لصورة الولايات المتحدة باعتبارها منارة للديمقراطية، وسوف يصبح من الأصعب على الأمريكيين إقناع الدول الأخرى بقبول نظامهم الديمقراطي المزعوم. من ملحمة الانتخابات الرئاسية لعام 2020 إلى فوضى رئيس مجلس النواب، أصبحت المهزلة هي الوضع الطبيعي الجديد في السياسة الأمريكية، لقد كشفت هذه المهازل عن مشكلات الفصل بين السلطات ونظام الحزبين في الولايات المتحدة حتى يومنا هذا، وهي الانفصال بين تصميم النظام والواقع.

إن العيوب الحالية في السياسات الانتخابية والحزبية في الولايات المتحدة كانت بمثابة ناقوس الخطر بالنسبة للعديد من البلدان النامية. إن السياسة على الطريقة الأمريكية ليست واحة مثالية، وبالنسبة للعديد من البلدان، تعتبر السياسة على النمط الأمريكي سلبية بطبيعتها. لا تتمتّع الولايات المتحدة بحق أو سلطة خاصة لانتقاد الأنظمة السياسية في البلدان الأخرى، لذلك إذا لم يتمكّن النظام والمؤسسات الأمريكية من إجراء التعديلات المناسبة في أعقاب التحديات والأزمات، فسوف يستمر النظام الأمريكي في التصدع من الداخل.

طلبت مجموعة من الديمقراطيين في مجلس النواب مؤخراً من كبار مسؤولي المخابرات الأمريكية ترتيب إحاطة سرية للكونغرس حول كيفية استغلال الصين للخلل الوظيفي في واشنطن، زاعمين أن الصين تنخرط في حملة دعائية عالمية لزرع الشك حول الولايات المتحدة، وقوة القيم الديمقراطية الأمريكية. وقال سون تشينغهاو، رئيس برنامج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في مركز الأمن الدولي والإستراتيجية بجامعة تسينغهوا: مع قيام وسائل الإعلام الصينية بنشر تعليقات حول التحديات والصعوبات التي تواجهها الولايات المتحدة، يقوم ساسة الولايات المتحدة باستغلال هذه الفرصة لتشويه سمعة الصين، والتنافس على من هو أكثر صرامة في التعامل مع الصين.

وفي هذا الإطار قال سون “إن السلوك السياسي الأمريكي، الذي يشوّه التقارير والتعليقات العادية لوسائل الإعلام الصينية، يظهر معاييره المزدوجة. كما أن وسائل الإعلام الأمريكية تنشر تقارير مكثفة عن الفوضى في الكونغرس، فلماذا يشعرون بعدم الارتياح عندما تتحدث وسائل الإعلام الصينية عن الشيء نفسه؟”.

منذ متى أصبح الساسة في الولايات المتحدة غير واثقين من نظامهم السياسي إلى الحدّ الذي جعلهم غير قادرين على التسامح أو السماح بأية تعليقات من وسائل الإعلام الصينية؟ إن الصين ليست مهتمة بالفوضى التي يشهدها الكونغرس الأمريكي، ولكنها أكثر قلقاً بشأن تأثيرها على العلاقات الصينية الأمريكية وردود الفعل المتسلسلة المحتملة الناتجة عن الإحاطة الاستخباراتية المذكورة أعلاه.

وفي نهاية المطاف، فإن الكونغرس الأمريكي ذاته هو الذي يعيش حالة من الفوضى الداخلية، وهو يريد صرف الانتباه الداخلي من خلال إلقاء اللوم على الصين، وهذا يدلّ على العقلية الحساسة للسياسيين الأمريكيين. ورغم أنهم يدركون المشكلات المنهجية التي تواجهها بلادهم، فإنهم لا يسمحون للآخرين، وخاصة الصين، التي تعتبر منافساً استراتيجياً، بانتقادهم. وبدلاً من تشويه سمعة الصين، يتعيّن عليهم أن يركزوا على حلّ المشكلات الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة.