جميع طلاب غزة نالوا الشهادة العليا!
غالية خوجة
معروفة حقوق الطفل في العالم والقوانين الدولية، وما تتضمّنه اتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة، ومنها حقه في الحياة والبقاء والنمو وعدم التمييز والاسم والجنسية والهوية، والحفاظ على الأسرة معاً والتواصل مع الوالدين، والأمن والسلام والتعلم والصحة والماء والغذاء والدواء والبيئة والطعام والملبس والمأوى الآمن، والراحة واللعب والثقافة والفنون ومصالحه الفضلى والحماية من الاختطاف والعنف والحروب، وهذا يعني الحماية من القتل الهمجي المعادي، ويبدو أن أطفال سورية الحبيبة المحاصرين الذين ما زالوا يعانون من آثار الإرهاب الظلامي الذي دمّر الآثار والبشر، وأطفال فلسطين، ويمثلهم أطفال غزة الآن، ليسوا أطفالاً بمفهوم المحتلين الإرهابيين المتوحشين ومن يدعمهم، لذلك يتخرّج هؤلاء الأطفال بشهادة استشهاد لا بشهادة تعليمية.
ترى، هل علم العالم أن مدارس غزة دمّرت بمن فيها، ومشافيها على مرضاها، وبيوتها على ساكنيها؟ وأن العام الدراسي انتهى، بسبب استشهاد الأطفال والطلاب والأمهات والآباء، بسبب القتل الوحشي المتوحش الذي يمارسه الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من 100 عام وليست نكبة 1948 هي النكبة الوحيدة، وليست المجزرة التي يرتكبها هذا المحتل هي الأخيرة، تماماً، كما فعلت الأمريكو-صهيونية في هيروشيما وناغازاكي، صبرا وشاتيلا وقانا وغزة؟ أين الأمم المتحدة من الطفل وحقوق الطفل؟ أين الجهات العالمية؟.
لقد دمّر الكيان وأتباعه وداعموه بقايا الإنسانية على الكرة الأرضية، فلم تعد مشاهد القتل والتدمير والحصار الغذائي والإلكتروني تعني إلاّ الذين لم يفقدوا وجودهم الإنساني ولن يفقدوه، الذين يشعرون بضميرهم كيف يصرخ أطفال فلسطين مثل طُوْفان الأقصى ليحرروا أراضيهم من هذا الإرهاب، يصرخون بأرواحهم المنغرسة في التربة جبالاً وماءً وسلاماً وحقاً، الصاعدة إلى السماء، لتطلّ من مساكنها الخضراء على فلسطين، وترى نفسها وإلى الأبد تربةً وهوية وعناصر حية تصدّ حقد مطلقي النيران المعادية، وترى بقية الأطفال يبحثون بين أنقاض المدارس والمشافي والبيوت عن أهاليهم، وترى في مشاهد بلغت ذروة الأحزان، هذا الطفل الصغير، هنا، بملامحه المذعورة المحتشدة بكل رعب العالم، يمسك يد أخته الصغيرة المضرجة بالرماد والدماء وغبار النيران، ممسكاً يدها بقوة كي لا تتوه عنه، ويصرخ بصوت مذبوح مقهور شغوف بالبحث: أين أخي؟ أخي يرتدي الأزرق؟ يصرخ باحثاً عن أخيه راكضاً بين الأنقاض والقذائف الإرهابية القادمة، فينتبه إليه أحد الراكضين من النيران المعادية، حينها يرى أخاه المرتدي لبلوزة زرقاء في مكان ما، فيصرخ بلا وعي: ذاك هو، إنه أخي يرتدي الأزرق؟ فيساعده الشاب ويمسك بيده ويوصله لأخيه وأخته، لكنه وبكل الغبار المتراكم على جسده الصغير وبلوزته الزرقاء يصرخ: “ماما، بدّي ماما”.
وتظلّ الأم لغزاً من أشلاء تبعثرت مع أشلاء البيوت التي هدمها العدو المتوحش فوق ساكنيها، ويظلّ الطفل ممسكاً بيد أخته وباليد الأخرى بيد أخيه، وهو يمشي بين الأنقاض المشفقة على أهاليها، وأطفالها وأمهاتهم وآبائهم وهم يصابون بصدمات متسلسلة، منها الأب الطبيب الذي عمل بشكل متواصل على إسعاف الجرحى، فشاهد جثة ابنه بين الجثث والمرضى، بينما أمه ما زالت بلا وعي تردّد سائلة: هل رأيتم ابني يوسف؟ أبيضاني وشعره “كيرلي” أي مجعد؟.
تتكاثر المشاهد القاتلة المعادية الحارقة وهي تلتهم أطفال غزة الذين كانوا في ساحات وغرف المشافي مع أهاليهم، وتبكي نيرانُ القذائف المعادية لأن نيرانها لا تريد أن تصيبهم مدركة أنها نيران أطلقها الكيان الباطل على أصحاب الحق في الوطن والحرية والسلام والأمان والحياة، تجهش الألهبة والحجر والغيوم والشجر والطيور والبشر من هذه الآلام الحارقة، تجهش وتبتسم في آن معاً لأن المقاومة صامدة ومنتصرة بالحق بفضل الله الحق رب الألهبة والحجر والغيوم والشجر والطيور والبشر، تبتسم موقنة بأن الأطفال نالوا الشهادة العليا بدل الشهادة التعليمية، وأن أرواحهم تشرق مع فلسطين من جديد.