ثقافةصحيفة البعث

“ألعاب مضحكة” في بيت السّينما!!

نجوى صليبه

اختارت إدارة مشروع “بيت السّينما” -المتمثّلة بالسّينمائيين: فراس محمد ورامي نضال- أن يكون عرضهم هذه المرّة فيلم الرّعب “ألعاب مضحكة” لمؤلّفه ومخرجه النّمساوي “مايكل هانيكي”، بنسخته الأمريكية لا النّمساوية التي قدّمها في عام 1997 بالاسم ذاته والقصّة ذاتها، أمّا سبب إعادة المخرج لفيلمه، فعلى ما يبدو أنّه أحبّ تعريف المشاهد الأميركي بقصّته وربّما السّينما النّمساوية، ونقول ربّما لأنّه استبدل جميع الممثلين بآخرين أميركيين، وعدّل قليلاً على السّيناريو بحسب ما يذكر بعض النّقاد.

ويروي الفيلم قصّة عائلة ـ مؤلّفة من الزّوجين “جورج ـ تيم روث” و”آنا ـ نايومي واتس” وطفلهما “جورجي ـ ديفون غيرهارت”ـ تقرر قضاء عطلتها الصّيفية بالقرب من بحيرة تقع على أطراف منطقة نائية، ويخبر الزّوجان أصدقاءهم الموجودين هناك ويطلبون منهم الاستعداد للعبة جديدة، وعندما يقتربون من منزل صديقهم يحييونه ويطلبون منه مساعدتهما في تركيب القارب، فيردّ التّحية بجفاء يثير استغراب “آنا” وسؤالها عن الشّابين اللذين يرافقانه؟، لكنّهما لا يترجّلان من السّيارة بل يتابعان طريقهما إلى المنزل.. يذهب “جورج” مباشرةً لتركيب القارب بمساعدة “جورج الصّغير”، وتبقى “آنا” في المطبخ لتحضير الطّعام، يدخل ابنها ويطلب منها سكيناً حادّة لوالده فتعطيه إيّاها وتطلب منه إعادتها وعدم نسيانها، ثمّ يعود خائفاً ويخبرها بوجود شابّ غريب في الخارج “بول ـ مايكل بيت”، ترحّب “آنا” به ويخبرها بأنّ جارتهم أرسلته إليها من أجل بعض البيض، فتعطيه أربع بيضات يكسرها خلف الباب، ويعود مع شقيقه أو صديقه “بيتر ـ برايدي كوربت” ويطلبان البيض من جديد، فتعطيهما وتطلب منهما الخروج من منزلها وعدم العودة مرّة أخرى، وهنا يدخل زوجها ويطلب منها الهدوء، قائلاً إنّ الأمر بسيط لا يستحقّ غضبها، فتتركهم وتدخل إلى المطبخ، لكنّها سرعان ما تخرج على صراخ زوجها بعد أن ضربه أحد الشّابين وكسر رجله، وهنا تبدأ الأحداث بالتّصاعد، وعلى الرّغم من تكهّننا بأنّ شيئاً غريباً سيحدث منذ مشاهدتنا الشّابين أوّل مرّة، لكنّ للحظة تهيّأ لنا أنّهما يلعبان اللعبة المتّفق عليها، وقد أعلنا عن بدايتها من دون سابق إنذار، لكن في هذه اللحظة نقطع الشّك باليقين، ونتأكّد أنّهما ليسا إلّا قاتلين متسلسلين ساديين.

يحجز القاتلان العائلة في غرفة الجلوس، ويطلبان منهم تنفيذ أوامرهما ويجبرانهم على الدّخول في ألعاب سادية مخيفة حتى لا يقتلوهم جميعاً، ويتمكّن الطّفل من الفرار إلى منزل جارهم ويجده مقتولاً في الحمام، لكن وللأسف يلحق به أحد القاتلين ويعيده إلى الحجز، ثمّ نسمع صوت إطلاق الرّصاص والدّماء تغطي الجدار، ويبقينا “هانيكيه” في لحظة صمت وترقّب لمعرفة هوية الضّحية، ثمّ يثبّت عدسته على الطّفل الغارق بدمائه.

يلفّ القاتلان قدمي ويدي “آنا” بشريط لاصق ويخرجان، فتقفز وتقترب من زوجها ويفكّ وثاقها ويطلب منها زوجها الهروب، فقد يعودان بأي لحظة، وهذا ما تفعله، لكن للأسف تفشل كما فشل طفلها سابقاً، فيقتلان زوجها ويخرجان بها إلى القارب، قاصدين الضّفة الأخرى التي يسكن فيها أصدقاء آخرون للعائلة الأولى، وتخرج سيّدة ويخبرها “بول” بأنّ “آنا” أرسلته إليها، فتعطيه ما يطلب ويخرج، وهناك في القارب ترى “آنا” السّكين التي نسيها طفلها في القارب أوّل الفيلم وتحاول التقاطها لكنّ يدّ القاتل تسبقها، ثمّ ينتقل إلى منزل آخر ويطرق بابه.

القاتل المتسلسل موضوع مطروق في السّينما الأمريكية وغيرها، لكن “هانيكيه” قدّمها بطريقة مختلفة بعيدة عن العنف الخارق أو الخيالي الذي نشاهده في أفلام الرّعب الخيالية أو الواقعية نوعاً ما، معتمداً على عنصر المفاجأة بل الصّدمة، أي أنّنا في البداية قد يتهيأ لنا أنّ الفيلم عبارة عن لعبة من الألعاب الإلكترونية التي نقلها كثير من المخرجين إلى السّينما، سواء أكانت مباشرة أو غير مباشرة، لكن حصره أحداث الفيلم بمكان واحد تزيح ـ لاحقاً ـ هذه الفكرة، وتركّز التّفكير في الضّغط النّفسي الذي يمارسه القاتلان على ضحاياه، ضغط ينتقل إلى المشاهد الذي يتلهّف إلى خلاص العائلة ووضع حدّ لنهاية آلامها التي غلّفها بعنوان مناقض تماماً، فقد اتّضح أنّ الـ”ألعاب المضحكة” ليست إلّا قتل يتفنن القاتل بأساليبه.

وإن تحدّثنا عن شخصيتي القاتلين، فنراهما في البداية من حيث الشّكل طبيعيين ولاسيّما أنّ اللباس الأبيض الكامل يريح العين والنّفس، ومن حيث المنطق فحديثهما لبق جدّاً، لكن ما يثير الرّيبة هنا هو القفازات في أيديهما والهدوء القاتل الذي يتمتّعان به، حتّى وهما يعاتبان بعضهما البعض ويتناقشان فيما سيفعلانه بالعائلة المسكينة، لكنّه الهدوء الخبيث الذين ينطبق عليه مصطلح “الحرب الباردة” وهو فعلياً ما مارسوه بحقّ العائلة، أي كانا يتناقشان بما سيفعلانه بأفراد العائلة، كأن يتناقشا حول القتل بالسّكين أم بالبندقية، ثمّ يطلبان منهم أن يشاركوهم الاختيار، قاصدين بذلك أن يكونوا ـ أي أفراد العائلة ـ بشكلٍ أو بآخر جزءاً من اللعبة.

الفيلم شّيق ويميّزه ما ذكرناه سالفاً، وهذا ما جعلنا نرغب بمشاهدة النّسخة الأصلية منه، أوّلاً من باب التّعرّف على السّينما النّمساوية الغريبة أو البعيدة عنّا كثيراً، وثانياً من باب معرفة كيف نقل المخرج نصّه المحلي إلى العالمية، أي على أي الخطوط اشتغل لكي يصل إلى هدفه.. طبعاً هذا لا يمنعنا من شكر إدارة المشروع التي تلعب دوراً في تعريف المشاهد السّوري على سينما من بلدان أخرى غير تلك التي تعوّد عليها أو فُرضت عليه.