مجلس الأمن في أسوأ أيامه
تقرير إخباري
لم يشهد مجلس الأمن صراعات كتلك التي يعيشها هذه الأيام، والتي تتمحور حول وقف اعتداءات الكيان الصهيوني على غزة، حيث تعارض الولايات المتحدة الأمريكية كل الدعوات لوقف إطلاق النار، بل و إحباط كل مشروع بهذا الشأن.
إنّ المقاربات التي طُرِحَت في مجلس الأمن الدولي لوقف الحرب في قطاع غزة تم إجهاضها بفعل الانقسام العميق والحاد في المجتمع الدولي، وبالتالي اصطدام كل المقاربات باعتراضات الخصوم والحلفاء لهذا الطرف أو ذاك، ما يعني شل قدرة مجلس الأمن الدولي عن القيام بمهمته الأساسية في الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
بين المطالبة بوقف إطلاق النار الفوري على قطاع غزة، ودعوات ما أطلق عليه “الهدنة الإنسانية”، وفتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة، يستشهد، بحسب التقارير، كل خمس دقائق طفل فلسطيني، وعشرات الأبرياء العزَّل الذين لا حول لهم ولا قوة، فضلاً عن الرعب والخوف والدمار الهائل الممنهج ، والحرائق والخراب ، وفقدان كل مقومات الحياة البشرية والإنسانية الأساسية. وبالتالي فإن استمرار المقاربات المتناقضة قد يدفع في النهاية إلى عدم وجود من يستلم هذه المساعدات، خاصةً بعد أن تكون الكارثة قد حلَّت بالفعل. ما يعني أن التأخير في تدخل المجتمع الدولي بشكل جاد وعملي لن تقف تداعياته عند حدود قطاع غزة، إذ إنَّ عجز أعلى هيئة دولية في العالم عن القيام بدورها الأساسي سيفقد كل شعوب العالم الثقة بهذه المؤسسة، وبإمكانية قدرتها على حل كل القضايا العالقة والنزاعات والصراعات، وإطفاء البؤر المتوترة المتفجرة في العالم وفي النظام الدولي الأحادي القائم برمته.
الأخطر من كل ذلك هو أنَّ التأخير في التدخّل الدولي لفرض وقف الحرب في قطاع غزة، سيدفع لا محالة إلى توسيع هذه الحرب التي ستجر المآسي على شعوب المنطقة، واندلاع صراع إقليمي مدمِّر يجلب المزيد من الويلات على شعوب المنطقة، وربما إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير،حسب بعض المحللين السياسيين.
وسواء صح ذلك أم لا، فإنّ المخاطر المتزايدة بشكلٍ متسارع حقيقية وموجودة وقائمة بالفعل، وهي تحتاج إلى وقفة إنسانية وأخلاقية من جانب القوى الكبرى علها يستفيق ضميرها لدرء هذه المخاطر الكارثية الهائلة، والحفاظ على الاستقرار السلم والأمن الدوليين.
إن جوهر الخلاف الحقيقي في مجلس الأمن الدولي يتمحور أساساً حول تجاهل البعض لعقود طويلة من الصراع الدامي العربي الصهيوني من جهة، والفلسطيني الصهيوني من جهةٍ أخرى ، ويركِّز على الوضع الراهن من دون أن يقدّم حلولاً جدية وعادلة تفضي إلى حل جذري للصراع، في ظل القوانين والتشريعات الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة، وبالتالي فإن هذا الوضع الناشئ، حتى لو وقعت الكارثة الأكبر وتم تهجير الفلسطينيين في نكبةٍ جديدة تم التخطيط لها بشكلٍ مسبق، سيظل قابلاً لأن يتكرر بغياب أيّة تسوية حقيقية تأخذ في الاعتبار حقوق الشعب العربي الفلسطيني وتطلعاته المشروعة في إقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس .
فالسلام لا يبنى على الانتقام ولا على الدماء والقتل والتدمير والخراب، وإنما يحتاجُ إلى إرادة قوية من الجميع دون استثناء، وإلى جهد دولي حقيقي جاد وحاسم يبدأ بفرض وقف الحرب فوراً ودون أيّة شروط مسبقة، والشروع فوراً في بناء عملية سياسية شاملة تضمن حقوق الشعب العربي الفلسطيني وأمن واستقرار المنطقة بشكلٍ دائم .
ريا خوري