دراساتصحيفة البعث

المناخ أمام لحظة الحقيقة

هناء شروف

الأمر لا يتعلق فقط بتغير المناخ ولا بأزمة المناخ، إنه ببساطة انهيار مناخي. هكذا وصفت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ عام 2023.

كان شهر أيلول الماضي هو الشهر الأكثر سخونة على الإطلاق، ومن المتوقع أن يكون عام 2023 العام الأكثر دفئاً على الإطلاق في تاريخ البشرية، وفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية .

مع مرور شهرين تظهر على الكوكب بالفعل علامات تشير إلى أنه يشهد عاماً أكثر كارثية، ليس فقط بسبب الصراعات بين البلدان، ولكن أيضاً بسبب الحرب ضد عدونا المشترك: تغير المناخ. ويستمر تواتر وشدة الأحداث المناخية المتطرفة إلى جانب التكاليف البشرية والاقتصادية في الارتفاع كل عام.

يقول تقرير للأمم المتحدة إنه على مدار الخمسين عاماً الماضية أودت الأحداث المتعلقة بالمناخ بحياة مليوني شخص، وكلفت خسائر تقارب 3.64 تريليون دولار. كما أن عدد الأحداث التي تسبب كل منها خسائر بقيمة مليار دولار آخذ في الارتفاع.

من كاليفورنيا إلى الجزائر إلى أستراليا وبلغاريا والبرازيل وكرواتيا ومقاطعة يونان في الصين وهاواي، لا تزال حرائق الغابات مشتعلة وتتفاقم بسبب درجات الحرارة. إن عامل النينيو الذي كان من المفترض أن ينضم إلى تغير المناخ في وقت لاحق من هذا العام، وفقاً لعلماء الطقس قد دخل في وقت مبكر جداً وقد يبقى لفترة أطول. كما مهدت الفيضانات المفاجئة وانفجار البحيرات الجليدية في آسيا وحالات الجفاف في أفريقيا والأعاصير في معظم أنحاء العالم بما في ذلك الهند والصين، المسرح لإجراء مفاوضات عاجلة ذات توجه عملي في المؤتمر الثامن والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ.

من المرجح أن تنتهي هذه المفاوضات إلى طريق مسدود، بسبب وجود “فيل ينتظر دخول الغرفة” حاملاً معه مسألة تمويل البلدان النامية، كما تم الاتفاق عليه في اتفاق باريس للمناخ في عام 2015. وتعكف البلدان المتقدمة الآن على وضع عدد من الحلول.

في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ  “كوب 28″ ينبغي على الصين والهند والإمارات العربية المتحدة وضع خلافاتهم جانباً لمعالجة التمويل اللازم.

ومع ذلك فإن القادة الرئيسيين لدول الجنوب العالمي مثل البرازيل والهند والصين إلى جانب دولة الإمارات العربية المتحدة التي تتولى رئاسة الدورة الثامنة والعشرين للمؤتمر لديهم فرصة لوضع الكوكب على المسار الصحيح.

إن تمويل المناخ بقيمة 100 مليار دولار سنوياً من الدول المتقدمة لن يأتي ببساطة، وهناك التزامات جديدة فيما يتعلق بالخسائر والأضرار كما ظهر في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ”كوب 27”  في شرم الشيخ بمصر في تشرين الثاني الماضي، فضلاً عن صناديق التكيف.

في المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس” عام 2023 تم تقديم اقتراح بفرض ضريبة (وتسمى أيضاً ضريبة الكربون) على الشركات الغنية في البلدان المتقدمة التي تحقق أرباحاً غير متوقعة لتمويل التحول في البلدان النامية، وكذلك خفض الانبعاثات في البلدان المتقدمة.

في العقود الثلاثة الماضية ارتفعت الأجور المتراكمة التي وعدت بها الدول الغنية عن الأضرار التي لحقت بالمناخ، وعن انتقال الدول الفقيرة إلى اقتصاد خال من الوقود الأحفوري إلى أكثر من تريليون دولار. دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حزيران الماضي إلى عقد قمة محاكاة جريئة لميثاق التمويل العالمي الجديد في باريس، ودعا إلى بناء هيكل مالي عالمي أكثر استجابة وشمولاً لعملية التحول. وشارك في الاجتماعات بفعالية ما يقرب من 40 دولة وجميع المؤسسات المالية العالمية بما في ذلك البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. وكان هناك اتفاق على أن النظام المالي العالمي الذي عفا عليه الزمن والمختل وغير العادل يحتاج إلى الإصلاح. لكن من المؤكد أن تغير المناخ لن ينتظر الإصلاحات التي تستغرق وقتاً طويلاً.

إن حجم الأعمال المتراكمة البالغة تريليون دولار التي وعدت البلدان المتقدمة بتقديمها إلى البلدان النامية لتمويل المناخ يبدو أصغر، والأسوأ من ذلك هو أن هذه الإعانات التي يدفعها دافعو الضرائب تؤدي في نهاية المطاف إلى تعميق عدم المساواة، وإعاقة العمل بشأن تغير المناخ، كما يقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

إن استمرار دعم الوقود الأحفوري لا يشكل استهزاءً بالجهود العالمية للتخلص من الوقود الأحفوري فحسب، بل يسخر أيضاً من حقيقة أن العالم يواصل إنفاق مليارات الدولارات على دعم الوقود الأحفوري بينما يعيش مئات الملايين من الناس في فقر.

من هنا، يمثل تمويل المناخ للاستثمار في الطاقة النظيفة فرصة أخرى لبناء عالم مستدام بآلية سوق مستدامة، لأن أسعار الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية تنخفض بسرعة.

كما إن إلغاء الإعانات لديها القدرة على تسريع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة الأخرى مثل الحد من عدم المساواة (الهدف 10 من أهداف التنمية المستدامة)، وضمان الصحة الجيدة والرفاهية (الهدف 3 من أهداف التنمية المستدامة) بصرف النظر عن الهدف 7 من أهداف التنمية المستدامة (ضمان الوصول إلى طاقة نظيفة وبأسعار معقولة) وهدف التنمية المستدامة. 13 (اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة العمل المناخي).

في الختام، يتعين على الصين والهند والإمارات العربية المتحدة أن تعتبر مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) بمثابة لحظة الحقيقة، وينبغي عليهما أن ينحّيا خلافاتهما الجيوسياسية جانباً وأن يوضحا الطريقة العملية للتعامل مع عدوهما المشترك.