منتدى “شيانغشان” يرسم ملامح الاستقرار العالمي
ريا خوري
عقد منتدى “شيانغشان الأمني ” الـ 10 في العاصمة الصينية بكين في الفترة من 29 إلى 31 تشرين الأوّل من الشهر الماضي، حيث شارك في المؤتمر الأمني ممثلون عن 90 دولة.
في هذا المؤتمر، الذي يتمتع بخصوصية كبيرة، تم رسم صورة مقلقة للاستقرار في العالم، ما يدل على أن العلاقات الدولية تتجه نحو مزيد من التشابك والتعقيد، في ضوء اتساع المجابهات والصراعات والنزاعات على أكثر من ساحة دولية، وآخرها ما يجري في منطقة الشرق الأوسط وتحديداً في غزة ، واحتمال خروج الحرب الدامية في قطاع غزة عن حدودها الحالية، باتجاه انخراط قوى إقليمية ودول أخرى فيها، بما يشكّله ذلك من مخاطر حقيقية لها آثار خطيرة على أمن المنطقة، والعالم، خصوصاً أن الحرب الأوكرانية الساخنة لا تزال مستعرة حتى الآن من دون أفق لحل سياسي، والمجابهة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية لا تزال في أوجها.
استمر النقاش الذي دام ثلاثة أيام متواصلة حول الاستقرار العالمي والحروب والنزاعات الدولية، مما حدا بنائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصيني، تشانغ يوشا، القول عند افتتاح المنتدى: “بينما ننظر إلى جميع أنحاء العالم اليوم، فإنَّ القضايا الساخنة والملتهبة تظهر واحدةً تلو الأخرى دون توقف أو استراحة، وإنَّ آلام الحروب الدامية والفوضى العارمة، والاضطرابات المستمرة والخسائر الفادحة تظهر باستمرار”.
في الحقيقة، كان تشانغ يوشا يشير في جميع كلماته لما تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية من فتح بؤر توتر في العالم مع حلفائها من دول أخرى، مؤكِّداً أنَّ بعض الدول، وخوفاً من استقرار العالم واستتباب الأمن فيه ، تتعمد خلق الاضطرابات وافتعال الأزمات، والتدخل السافر في القضايا الإقليمية، والتدخل الغير مبرّر في الشؤون الداخلية لدول أخرى، وتدفع باتجاه الثورات الملونة، والحروب الأهلية، وخلف الكواليس تقوم بتوزيع الخناجر والسكاكين، وتستفز الناس لخوض الحروب ضد بعضها البعض، ضامنة استفادتها من الفوضى التي تنشأ جراء ذلك .
هذا الموقف الصيني الصريح والواضح يؤشِّرُ إلى أنَّ الاجتماعات المتعدِّدة التي تُعقد على أكثر من مستوى بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية منذ أشهر، وآخرها اجتماع وزيري الخارجية الصيني وانغ يي، ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في العاصمة الأمريكية واشنطن لم تؤدِ إلى إذابة الجليد بين البلدين، كما لم تفتح الطريق أمام القمة المقترحة بين الرئيس الصيني، شي جين بينغ، والرئيس الأمريكي جو بايدن في سان فرانسيسكو في ولاية فلوريدا الأمريكية منتصف شهر تشرين الثاني الجاري 2023، على هامش “قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (أبيك)”، إذ وصف وزير الخارجية الصيني وانغ يي الطريق إلى هذه القمة بأنها “مملوءة بالحواجز والعقبات”.
أما وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، فقد شنّ حملةً عنيفةً على الولايات المتحدة الأمريكية، واتّهمها بالسعي الدائم والمستمر لإثارة عدم الاستقرار في آسيا والمحيط الهندي، وحذّر من مخاطر مواجهة نووية مدمِّرة حين قال: “إن خط الغرب تجاه التصعيد مع روسيا الاتحادية يشكِّلُ خطر نشوب صراعٍ مباشر بين القوى النووية في العالم، الأمر الذي سيؤدي حتماً إلى عواقب كارثية لا تُحمَد عقباها”.
هذه المواقف الروسية – الصينية المتوافقة والمتوازنة، هي تعبيرٌ صريح وواضح عن قلق حقيقي تجاه مختلف التهديدات الأمنية التي تقوّض الاستقرار العالمي، والتوازن الاستراتيجي العالمي، وتجعل العالم بأسره رهن سياساتٍ لا تأخذ في حسبانها مصالح جميع الدول والشعوب والأمم، ولا تحترم ميثاق هيئة الأمم المتحدة، ولا مبادئ حقوق الإنسان التي باتت تُنتهك يومياً على مرأى العالم كله .
ومع ذلك، فالعالم يعيش اليوم مرحلة انتقالية قاسية وصعبة، تجلّت ملامحها بشكلٍ عملي في معظم أنحاء العالم ، لا بُدَّ منها للوصول إلى عالم متعدِّد الأقطاب تشترك فيه دول لها ثقلها العالمي كمجموعة دول الــ “بريكس”.