ماذا بقي من قطاع غزة؟
هيفاء علي
اليوم، يتعرض قطاع غزة وكامل الضفة الغربية لعدوان وحشي غير مسبوق يرتكب فيه جيش الاحتلال الإسرائيلي أشنع المجازر بحق المدنيين، وتم فيه تدمير البنى التحتية والمشافي والمدارس والكنائس وكل شيء بالأسلحة الفتاكة، المقدمة له من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. شهداء بالآلاف، من بينهم عائلات بأكملها، وعدد كبير من الأطفال،على مرأى ومسمع كل المنظمات والمؤسسات الدولية الرسمية التي لم تحرك ساكناً حتى الآن.
لا أحد يعرف ماذا سيبقى من هذا القطاع الذي أغلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي بالكامل، ويبلغ طوله 41 كيلومتراً وعرضه من 6 إلى 12 كيلومتراً، أي أن مساحته 365 كيلومتراً مربعاً.
يوجد في هذه المساحة 2.23 مليون نسمة 6000 نسمة لكل كيلومتر مربع، وهي واحدة من أعلى الكثافة السكانية في العالم، بما في ذلك 1.7 مليون لاجئ. هناك أيضاً 1000 فلسطيني مسيحي، مع كنائسهم، التي تم قصف إحداها في تشرين الأول 2023.
ويضم القطاع أيضاً ثمانية مخيمات للاجئين، ومباني مؤقتة على طول الشوارع الضيقة، ومدن، بما في ذلك مدينة غزة وسكانها البالغ عددهم حوالي 780 ألف نسمة.
كان في قطاع غزة أيضاً طرقاً وفنادق ومطاعم وأبراجاً زجاجية وشواطئ ومدارس وجامعات ومكتبات ومستشفيات وحدائق وبساتين وأسواق وشركات صغيرة. وطلاب المدارس يرتدون مراويل مخططة باللونين الأزرق والأبيض للفتيات، وقمصان زرقاء للأولاد، وهو الزي الرسمي لخمسمائة ألف طالب في مؤسسات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى “الأونروا”.
بالمقابل، تنتشر معدلات الفقر والبطالة على نطاق واسع: إذ يعيش ما يقرب من 80% من السكان على قيد الحياة بفضل المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى ذلك، لم يكن بوسع سكان غزة المغادرة إلا بأعداد صغيرة جداً قبل تاريخ 7 تشرين الأول. بينما يوجد معبر واحد فقط نحو مصر هو معبر رفح جنوب القطاع، حيث كان يسمح للغزاويين استيراد البضائع بكميات غير كافية.
وقطاع غزة، منطقة مأهولة بالسكان منذ القدم، وتقع على مفترق الطرق والإمبراطوريات منذ العصور القديمة، قد تشكلت من خلال الصراعات الحديثة، وبعد الحرب العالمية الأولى انتقلت من الدولة العثمانية إلى الانتداب البريطاني. وعندما تم إنشاء الكيان الإسرائيلي عام 1948، كانت تحت إدارة مصر، لكنها احتفظت بوضع “الحكم الذاتي”، وتحول خط الهدنة لعام 1949 إلى حدود دائمة، ومن ثم احتل الكيان غزة لفترة وجيزة في الفترة 1956-1957. فيما كان الفلسطينيون يقاومون والاشتباكات تخلف ألف شهيد، احتلها الكيان خلال حرب عام 1967، واستقر المستوطنون هناك في عام 1970، حيث باتت منازلهم وحدائقهم الخضراء -التي تضخ معظم المياه – تمنع الوصول إلى البحر على العديد من السكان.
اندلعت الانتفاضة الأولى في غزة عام 1987، وهي “ثورة الحجارة” التي تم قمعها بقسوة، كما حدث في الضفة الغربية، وتحت نير الحصار في عام 1994، وفي أعقاب اتفاقيات أوسلو (1993)، أقيم أول مقر للسلطة الفلسطينية في غزة، ثم انتقل بعد ذلك إلى رام الله عام 2005. انسحب جيش الاحتلال والمستوطنين من محيط غزة، حيث أراد الكيان التركيز على استعمار الضفة الغربية. وبعد أن أصبح رئيساً للوزراء، قرر شارون الانسحاب من المنطقة، مما أدى إلى رحيل 8000 مستوطن. ومن دون وجود أي جنود إسرائيليين في الداخل، تظل غزة، بحسب تعريف الأمم المتحدة، “أرضاً محتلة”، و”سجن كبير في الهواء الطلق يوجد سجانوه في الخارج”. وفي عام 2006 بدأ الكيان يلعب على التقسيم بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وفرض حصاراً كاملاً خانقاً على القطاع.
وفي عامي 2018 و2019 انطلقت “مسيرة العودة” من قبل سكان غزة، نساءً ورجالاً من جميع الأعمار، يتظاهرون ضد السياج الإسرائيلي، وسيتم استهدافهم كما هو الحال في ميدان الحرب الوحشية الراهنة من قبل القناصين الإسرائيليين، وستكون النتيجة: 230 شهيداً وأكثر من 7000 جريح بالرصاص.
وعليه، تؤكد هذه الحادثة المأساوية أن أي مظاهرة سلمية، سواء كانت في غزة أو في باقي المدن والبلدات الأخرى المحتلة، يتم سحقها بالسلاح، حيث تعرض القطاع إلى حروب مختلفة في أعوام: 2006، 2008-2009، 2012، 2014، 2021، واليوم 2023.