جسور إبداعية بين الكلمة واللون
نجوى صليبه
لا يعرف الشّاعر والنّحات نشأة رعدون أوّل قصيدة كتبها، لأنّه لم يكن يدوّن ما ينظم من شعر، لكنّه في عام 1975 قرر ذلك، فهو ابن شاعر نبطي لا يتحدّث إلّا شعراً، وهو ابن مدينة أفاميا التي كيفما نظر المرء يرى المنحوتات والتّماثيل، يقول: “لمدينة أفاميا دور كبير في تنمية موهبتي، وهذا ما قاله لي مرّة أستاذي الغالي البلغاري “تيودوروف” عندما زار أفاميا، قال حينها: “اليوم عرفت لماذا أنت نحّات”، فسألته: “لماذا؟”، فأجابني: “لأنك ابن أفاميا، والإنسان الموهوب الذي يعيش بين تماثيلها سيكون نحاتاً بشكل إجباري”… طبعاً وهذا ما نسمّيه دور البيئة في تنمية الموهبة”.
وخلال النّدوة التي أقامها فرع دمشق لاتّحاد الكتّاب تحت عنوان: “الجسور الإبداعية بين الكلمة واللون”، بيّن رعدون القواسم المشتركة التي تجمع بينهما بالقول: “في كتابي” محطات بين الفنّ والسّياسية”، أقول إنّه لا يوجد إنسان متعدد المواهب، لكن هناك موهبة واحدة هي الحالة الإبداعية، فأن تمتلك أسلوب المطرقة والإزميل فأنت نحات، وأن تمتلك الإيقاعات الشّعرية وبحور الشّعر فحكماً أنت شاعر، والمهم في ذلك أن الحدث هو الذي يصيغ ويفرض شكل هذه الحالة الإبداعية، مثلاً هناك حدث لا تفيه اللوحة حقّه بل الرّواية، وهناك حدث يكفي أن نقول فيه بيتين من الشّعر لنوصله إلى العالم”.
بدورها، بيّنت الفنانة التّشكيلية ميساء عويضة أهمية التّواصل بين اللوحة والكلمة بالقول: “العلاقة بينهما قديمة جدّاً، أي مذ بدأ الفنّ التّشكيلي ينتقل من الكلاسيكية إلى الحداثة، وكان ذلك بتشجيع من الأدباء والشّعراء وعلى رأسهم “بودلير”، والفنون كلّها عندما بدأت تتعرّض إلى هجوم ثقافي كان الرّدّ هو الحفاظ على هويّتها، وكان الخطّ العربي واحداً من الفنون التي من الممكن أن يشتغل عليه الفنان، أمّا أنا فأخذت اللون كأسلوب للحفاظ على التّراث الذي هو جزء من ثقافتنا كشعوبٍ عربيةٍ وشرقيةٍ، واعتمدت على ما له علاقة بالتّراث وقد يكون مربوطاً باللون، فاشتغلت على البسط وأخذت الألوان الدّافئة، فنحن كبلدان شرقية مشمسة وبطبيعتنا نحبّ الشّمس، لذا اللون عندي دائماً بعيد عن الرّمادية، وذلك على خلاف الدّول الأخرى التي فيها مناخ مختلف تماماً، فالبيئة الصّحراوية الّلون التّرابي هو المسيطر، لذا هي بحاجة إلى ألوان تلوّنها، لذلك نجد تلك البسط الحمراء، مضيفةً: “أنا من بداية التّسعينيات أفكّر بالسّؤال: لماذا نرتبط بالماضي والذّكريات والتّراث على الرّغم من أنّنا نعيش الحداثة؟ أي هذا التّراث هو ذوقنا وروحنا مهما ابتعدنا عنه”.
وتبيّن عويضة: “الفنّ بشكلٍ عامّ يحاول البحث بالحياة والمجتمع والبيئة عن الإشكاليات ويحاول تعريتها، ومن الممكن أن يطرح حلولاً ويظهر جوانب جمالية ويثبتها، أنا ما يهمّني هو الإنسان، ولاسيّما في هذه الحياة التي نعيشها والتي تضغط على النّفوس، لذا أركّز على الجانب النّفسي واللون المحلي، فوظيفة الفنّ نفسية وعلاجية، وحضور معرض كسماع أغنية ترتاح لها النّفس، وأنا أشتغل على الذّائقة البصرية المحلية، وأدفع باتّجاه هذا الجانب لكي يكون نوعاً من الشّفاء للإنسان، أي لا يهمّني رسم الشّخص من الخارج، والعلاج بالفنّ علمٌ كاملٌ، لكنّي أحاول أن يكون هذا الحوار الهادئ مع اللوحة والتّفكير فيها، وأنا في كلّ مرّة أحاول تقديم ما يلبّي حاجات الجمهور، وهذا أمر مهمّ بالنّسبة إليّ”، منوهّة بأنّ قلّة الثّقافة البصرية هي التي تحدّ من وظيفة الفنّ التّشكيلي، تقول: “نحن قبل الأزمة كنّا قد قطعنا شوطاً أو مشينا خطوةً إلى الأمام في هذا المجال، لكن جاءت الحرب وجعلتنا نتراجع قليلاً”.