من أين سيسددونها إن لم يستثمروها..؟
علي عبود
بدأت المصارف الحكومية برفع سقوف الإقراض الشخصية إلى ما لا يقلّ عن 15 مليون ليرة، بل وصل سقف قرض الطاقة المتجدّدة إلى 35 مليون ليرة. وسبب رفع سقف الإقراض حسب الأسباب الموجبة هو زيادة الرواتب والأجور بنسبة 100%، وهو سبب غريب فعلاً، لأن بإمكان المصارف رفع سقف الإقراض بفعل التضخم، وهو سبب منطقي واقتصادي، بغضّ النظر عن الشرائح المستفيدة من سقوف الإقراض الجديدة.
وبما أن فترة سداد القرض سترتفع إلى 10 سنوات فإن السؤال: هل سقوف الرواتب بعد زيادتها 100% ستتيح لخمسة ملايين عامل بأجر الحصول على قرض بقيمة 15 مليون ليرة، بالإضافة إلى ما يترتب عليه من فائدة مركبة وتسديدها خلال 10 سنوات، أو الحصول على قرض بلا فائدة بقيمة 35 مليون ليرة للتمتّع بكهرباء على مدار الساعة؟ لنتحدث بأمثلة رقمية: سقف العامل من الفئة الأولى أصبح 312940 ليرة، أو 400 ألف ليرة بعد الإضافات المختلفة، فهل يستطيع حامل شهادة الدكتوراة الذي وصل إلى سقف الراتب الحصول على قرض بمبلغ 15 مليون ليرة؟
طبعاً، المصارف لن تمنح القروض دون كفالات وضمانات، فالأموال بالمحصلة ليست لها بل للمودعين، ولنفترض أن المقترض صاحب أعلى أجر في الجهات الحكومية يمتلك العقار الذي يسكنه والذي حصل عليه من جمعية سكنية أو من مشاريع الإدخار، وتمكّن من تأمين ما يلزم من كفلاء، فالسؤال يبقى قائماً: هل سيستطيع تسديد القرض خلال 10 سنوات؟ الدخل الإجمالي السنوي لمن وصل إلى السقف مع الإضافات لا يتجاوز 5 ملايين ليرة أي يحتاج إلى أكثر من 3 سنوات لتسديد القرض في حال لم يخصّص من راتبه ليرة واحدة لنفقاته اليومية!! وبمنطق أكثر فإن القسط الشهري لقرض الـ15 مليوناً لن يقلّ عن 140 ألف ليرة، ولقسط قرض الطاقة البالغ 35 مليوناً عن 291 ألف ليرة.
وإذا كانت قلّة من أصحاب رواتب السقوف العليا قادرة بحكم خبراتها ومؤهلاتها الحصول على دخول تغطي أقساط القروض المصرفية، فإن رواتب المعيّنين حديثاً أو الذي مضى على تعيينهم عشر سنوات أقساط القروض تتجاوز أجورهم الشهرية، حتى لو تمكنوا من تقديم الضمانات الكافية للمصرف!!
وعندما يكشف مدير مصرف التوفير، الذي يجب أن يكون معظم زبائنه من العاملين بأجر أنه منح 70 ألف قرض بقيمة 104 مليارات، فإن السؤال: من استفاد من هذه القروض إذا كان الأجر الشهري لا يكفي أكثر من ثلاثة أيام؟ وهذا يقودنا إلى السؤال الأساسي: ماذا يفعل المقترضون بقروض سقفها 10 أو 35 مليون ليرة؟ توجد عدة إجابات، أبرزها أن المقترض العامل في جهات عامة أو خاصة بحاجة إلى مبلغ لتأسيس أو تطوير مشروع صغير، وهذا أمر جيد جداً، أو أنه بحاجة لترميم منزل أو شراء أثاث، وسيعاني لاحقاً من وطأة التسديد، أو بحاجة إلى تسديد كلفة دراسة أحد الأبناء، وهو غالباً سيضطر لاحقاً إلى بيع أرض أو عقار لتسديد القرض.. إلخ.
ومهما كانت الدوافع للاقتراض من المصارف، فإن أخطرها هو قيام الكثيرين بالحصول عليها بقصد التجارة والربح!! نعم، شريحة كبيرة يمكنها الحصول على القروض بسهولة لأنها قادرة على تقديم الضمانات للمصرف، وتقوم بتحويل القرض إلى ذهب أو دولارات إما للاكتناز أو للمضاربة في السوق السوداء على نطاق ضيّق جداً، وهي الرابحة مع كل تعديل لسعر الصرف لأنها ستسدّد المبلغ بأقل من قيمته الفعلية.
الخلاصة: القروض المصرفية مهما كانت صغيرة، أيّ بعدة ملايين، فهي ليست قطعاً للعاملين بأجر، فهم غير قادرين على تسديدها إن لم يستثمروها في المضاربة أو بمشاريع إنتاجية.