النفاق الإسرائيلي – الأمريكي المستعر
أحمد حسن
بنيامين نتنياهو رئيس وزراء كيان العدو، برتبة ومهام مجرم الحرب الكبير، قام مؤخراً بحركة مسرحية عندما أبعد أحد الوزراء من اجتماعات المجلس كعقوبة لأنه طالب بضرب غزة بالسلاح النووي. قبل ذلك، كانت صحيفة “نيويورك تايمز” قد كشفت أن واشنطن نصحت قلعتها المتداعية في المنطقة، إسرائيل، باستخدام قنابل أصغر في غزة.
السبب الجامع بين فعلة نتنياهو ونصيحة واشنطن هو، على ما أعلن الطرفان، الخوف على المدنيين وأهمية تقليل الخسائر بينهم، وتلك هي قمّة النفاق وذروته، فالمجرم نتنياهو كان قد سبق الوزير المذكور – وللمناسبة هو وزير “التراث” وهذا أصدق ما في الأمر لأنه تراث إبادة كاملة – في تفكيره، وألقى ما يتجاوز حجم قنبلتين نوويتين على منطقة صغيرة مزدحمة بالمدنيين كـ “غزة”، دون أن يرفّ له جفن، أما حامل النصيحة الأمريكية، أنتوني بلينكن، فقد أعلن أمام وزراء عرب أن “الحاجة إلى حماية المدنيين الفلسطينيين، لن تكون على حساب دعم واشنطن لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”!
وبالطبع يمكن القول إن هذا نفاق الساسة المعتاد، لكن ثمّة ما يحمّله أبعاداً أكبر من ذلك ويجعل منه، هذه المرة، نفاقاً ضرورياً ووجودياً، فإسرائيل، التي استيقظت حائرة على مجريات كارثة صباح السابع من تشرين الأول، أدركت فوراً أن هذه معركة وجودية، لأن قاعدة القوة التي تقوم عليها اهتزّت من أساسها في ذلك اليوم، وبالتالي فإن وظيفتها كأداة ردع إقليمي ناجحة لمصلحة الغرب، وبعض أنظمة العرب، أصبح محلّ شك كبير، بينما عرف الأمريكي منذ اللحظة الأولى أن الفشل الإسرائيلي في التوقع أولاً والمواجهة ثانياً هو فشله الخاص، لذلك هي حربه هو أولاً.
هذا تحديداً ما يفسّر سرعة حضور حاملات الطائرات إلى المنطقة مهدّدة متوعّدة منذ اللحظة الأولى، ولذلك أيضاً يصدر رفض وقف إطلاق النار من بايدن شخصياً، ويتجاوز الرئيس الأمريكي كل ما أتحفونا به سابقاً من قصص المشاركة في تقويم القرار قبل إصداره ويتفرّد، مع بلينكن تحديداً، بالقرارات المتعلّقة بالتطوّرات في الأراضي المحتلّة كما كشفت مجلة “فورين بوليسي” نقلاً عن عاملين في وزارة الخارجية، يقال لهم دائماً عند أي اعتراض أو سؤال “تلك الأوامر، إنّما هي قرارات صادرة من أعلى، ولا مجال لمناقشتها على الإطلاق”، فهذه، كما أسلفنا، حرب واشنطن أولاً، لأن السابع من تشرين الأول وضع استراتيجيتها العالمية وترتيباتها “التسووية” للمنطقة على حافة هاوية لا قرار لها.
ذلك هو السبب في “طوفان” النفاق الإسرائيلي – الأمريكي، وتلك هي صورته الحالية، إعلان كلامي عن ضرورة التقيّد بالقانون الدولي لحماية المدنيين وخوض إجرامي فعلي في دمائهم دون ارتواء في محاولة مكرّرة للمرة الألف لفصل المقاومة عن حاضنتها الشعبية الطبيعية، تمهيداً لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل “الطوفان” الحقيقي.
خلاصة الكلام، يقول هذا النفاق، وتحديداً في حالة القوة العظمى، شيئاً واحداً: ما جرى باتساعه وعمقه ومدلولاته يؤكد أنه لم يعُد بالإمكان السيطرة على الوضع بوسائل الضبط المعتادة، وبالتالي لا بدّ من اتباع سبيل آخر أوّله الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة، وآخره الاعتراف بتغيّر إجباري في صورة العالم – والمنطقة بالتبعية – كما حاول قادة “روما الجديدة” المحافظة عليها خلال المرحلة الذهبية الماضية، لكن دون هذين الاعترافين دماء كثيرة ونفاق أكبر.. والنصر صبر ساعة.