هل يبحث الكيان الصهيوني عمّن ينزله من الشجرة؟
تقرير إخباري
أثبتت الأيام الاثنان والثلاثون الماضية من عمر العدوان الصهيوني على قطاع غزة المحاصر، أن الجيش الإسرائيلي عاجز حتى الآن عن تحقيق العنوان العريض الذي من أجله ارتكب المجازر والمذابح الجماعية بحق أطفال غزة ونسائها وشيوخها، وهو “القضاء على حركة حماس”، حيث حاول طوال الفترة الماضية الإعلان عن شروط تعجيزية في هذا المجال، أهمها استسلام “حماس” وإطلاق الرهائن، بينما تصرّ المقاومة الفلسطينية في غزة على أن إطلاق الرهائن لا يكون إلا باستبدالهم بجميع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلي بعد وقف كامل لإطلاق النار، وهذا طبعاً يحمّل الكيان الصهيوني هزيمة أخرى فوق هزيمته الأولى في عملية “طوفان الأقصى” التي هزّت الكيان وجعلته يشعر بأكبر تهديد وجودي تعرّض له خلال تاريخه.
وخلال المداولات التي تمّت بين أطراف الحكومة الصهيونية المتطرّفة عبر الهاتف من جهة، وبين قادة الكيان والمسؤولين الأمريكيين من جهة أخرى، لا بدّ أنه تم تداول فكرة كيفية الخروج من هذا المأزق الذي وضع الكيان الصهيوني نفسه فيه، ومن ورائه واشنطن، برفع سقف الأهداف المتوخاة من العدوان على غزة، لأن هذا العدوان لم يحقق إلى الآن إلا شيئاً واحداً فقط هو الإبادة الجماعية لأهالي القطاع المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، في ظل تصاعد الغضب الشعبي في العالم من مشاهد المجازر في غزة، بينما لا تزال المقاومة الفلسطينية تمنع الجيش الصهيوني من تحقيق أيّ هدف من أهداف عمليّته البرية المزعومة، بل تكبّده الخسائر الفادحة في الآليات والأفراد، وتوثّق ذلك على الأرض، دون أن يتمكّن من التوغل داخل القطاع، حيث بلغت خسائره في الحرب أعداداً كبيرة يخشى الاعتراف بها عبر الإعلام.
البحث عن هذا المخرج دفع ما يسمّى وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، الذي ينتمي إلى حزب “عوتسما يهوديت” اليميني المتطرّف بزعامة إيتمار بن غفير، إلى التصريح بأن “أحد الخيارات” إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، وذلك يخفي في طيّاته حقيقة العجز الصهيوني عن تحقيق الهدف الحقيقي من العدوان، فلا هم تمكّنوا من تهجير الفلسطينيين، ولا حصلوا على استسلام “حماس” كما زعموا، وهذا يعني أن حكومة نتنياهو ترى أن البديل الطبيعي عن الانتصار هو الإبادة الجماعية، ولا يقدّم تنصّل بنيامين نتنياهو من هذا التصريح شيئاً، لأنه في الحقيقة يحكي لسان حال الحكومة العاجزة، وما يدور داخلها.
وفي الوقت ذاته تحاول الإدارة الأمريكية على طريقتها التوصّل إلى وقف لإطلاق النار تحفظ فيه ماء وجهها ووجه الحكومة الصهيونية، ولكنها تتعمّد النفاق والقول إنها تبعث برسائل إلى الأطراف الإقليميين بضرورة عدم توسيع رقعة الحرب وهي التي تخشى ذلك، حيث أكّد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أن الإدارة الأمريكية بعثت رسالة إلى الحكومة الإيرانية مفادها أنها تسعى إلى وقف إطلاق النار، وعندما نفى المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جاك ساليفان هذا الكلام بقوله: “هذا تصريح كاذب بشكل قاطع”، اضطرّ الوزير عبداللهيان إلى التأكيد أن الرسالة قد وصلت بالفعل ونقلها رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني أثناء زيارته إلى إيران بعد لقائه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بغداد، موضحاً أن “الأمريكيين يكذبون ويديرون لعبة الوقت في الحرب ضد غزة والضفة”.
ولكن الإدارة الأمريكية اعترفت صراحة في ردّها على الوزير الإيراني بأنها أوضحت “في السر والعلن” أنها تطالب إيران بالتوسط لإطلاق الرهائن ووقف إطلاق النار، بمعنى أن الرفض الأمريكي لوقف إطلاق النار في العلن مردّه تحقيق هذا الهدف، “لكن البيت الأبيض يفضّل البقاء شريكاً ومرافقاً للنظام الإسرائيلي المنهار على حساب مواجهة الرأي العام من العالم” بعد مشاهد الإبادة الجماعية التي أثارته.
وبغض النظر عن أن تصريحات الوزير في حكومة نتنياهو هي اعتراف رسمي صهيوني بامتلاك أسلحة نووية دون إخضاعها للرقابة الدولية، فإن الأمر يشير صراحة إلى حاجة الحكومة الصهيونية إلى من ينزلها من الشجرة، لأنها تأكدت بعد كل هذا الدمار الذي أحدثته في غزة أنها عاجزة عن تحقيق أيّ نصر، وهذا التصعيد الصهيوني في الميدان يقابله سعي أمريكي واضح إلى التوسط لدى “حماس” عبر إيران للتوصّل إلى شروط وقفٍ لإطلاق النار يحفظ ماء وجه الطرفين الصهيوني والأمريكي معاً.
طلال ياسر الزعبي