مجلة البعث الأسبوعية

فيوري يواجه إنغانو.. حدث قتالي فريد من نوعه على أرض عربية لم يراعِ معاناة غزة!

البعث الأسبوعيّة-سامر الخيّر

عرفت السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً للرياضات القتالية على الصعيد العربي ولكن ليس على مستوى اللاعبين والنتائج، وإنما على صعيد استضافة البطولات العالميّة والدولية في مختلف أساليب وأنواع تلك الرياضات، فباتت دول الخليج قبلة لأشهر المقاتلين حول العالم بعد أن سبقهم نجوم كرة القدم، وطبعاً بُذل جهد والكثير الكثير من الأموال حتى حُققَ ذلك وعلى مراحل، وبالحالة الطبيعية يحسب مثل هذا التوجه على أنه نجاح مبهر، لكن المؤسف أن نرى استضافةً لنزال هو الأوّل والأقوى من نوعه في عالم الرياضات القتالية جمع مشاهير العالم في مكان واحد ليحتفلوا في جوٍّ من الفرح وبذخ الأموال، في الوقت الذي يعاني فيه أهلنا في فلسطين الحبيبة من الإبادة والوحشية من قبل قوات الكيان الغاصب، وللأسف مفارقة محزنة جعلت الكثيرين ينفرون من الحدث على ضخامته وأهميته.

الحدث كان نزالاً من نوع خاص يجمع بطل العالم للوزن الثقيل في الملاكمة دون منافس خلال السنوات التسع الماضية، البريطاني تايسون فيوري، مع البطل الآخر ولكن في الفنون القتال المختلطة الكاميروني فرانسيس إنغانو، على لقب “أشرس مقاتل في العالم”، وأقيم الحدث في العاصمة السعودية الرياض ضمن فعاليات حفل افتتاح موسم الرياض في نسخته الرابعة.

واستطاع البريطاني الحفاظ على ألقابه وحزاميه بفوزه مع نهاية الجولة العاشرة، حيث أعلن الحكام عن قرارهم بواقع 94-95، و96-93 و95-94، ليبقى من دون هزيمة في مسيرته، مع العلم أن هذا النزال لم يحتسب في السجلات الرسمية.

وكانت التوقعات قبل النزال تشير إلى فوز فيوري صاحب الـ34 عاماً في هذا النزال بسهولة، لكن ذلك لم يحصل رغم فوزه في نهاية الأمر، حيث وجد أمامه خصماً شرساً للغاية، كال له الضربات في العديد من الأوقات خلال النزال، الذي حضره العديد من النجوم أمثال البرتغالي كريستيانو رونالدو ومغني الراب إمينيم والإنكليزي ريو فرديناند وأندرتيكر وآخرين، وأسطورتي الملاكمة مايك تايسون وإيفاندر هوليفيلد.

لكن المفاجأة كانت في الجولة الثالثة عندما سقط فيوري بلكمة حديدية كالتي اعتاد توجيهها لمنافسيه في عالم الفنون القتالية، لكن “ملك الغجر” كما يلقب استجمع قواه وعاد ليخوض النزال بروية، بعدما وجد قدرة غير متوقعة على التحمّل من خصمه حتى الجولة العاشرة.

ومن الواضح أن إنغانو تجهز بشكل أفضل لهذا النزال، بعدما خضع صاحب الـ37 عاماً لتدريبات في الملاكمة على يد الأسطورة مايك تايسون، بينما ظهر فيوري متعباً في بعض الأوقات رغم خبرته، ويبدو أنّه لم يتوقع مواجهة خصم بهذا القوة في أول نزال له بالملاكمة.

وبعد النزال أجمع المحللون على جمال اللقاء وأن إنغانو لو حصل على مزيد من الوقت ليتدرب على الملاكمة أكثر لاستطاع هزيمة فيوري دون شك، وخاصةً أن قرار الفوز جاء بقرار منقسم، وفي تصريحاته لم يخف الكاميروني انزعاجه من نتيجة اللقاء عندما أعلن أن منافسه نفسه يعرف ضمنياً أنه خسر النزال.

ومن جانبه علق فيوري بعد نهاية المباراة بأنه أصيب في مؤخرة رأسه بسبب الضربة القاضية، ولكنه لم يصب بأي أذى ونهض وعاد إلى الحلبة وأن هذا النزال واحد من أصعب المعارك في السنوات الأخيرة، وعن رأيه في إنغانو أشار إلى أنه غريب الأطوار ويضرب جيداً وهو يحترمه كثيراً.

ويعدّ فيوري من أشهر الملاكمين في العالم، وهو إنكليزي من مواليد مدينة مانشستر، يلعب ضمن فئة الوزن الثقيل، وفاز بعدة بطولات أهمهما بطولة رابطة الملاكمة العالمية، وبطولة الاتحاد الدولي للملاكمة، إضافة إلى بطولة المجلس العالمي للملاكمة، ولم يعرف الخسارة على الإطلاق في نزالات الملاكمة التي خاضها، حيث شارك بـ 34 نزالاً خلال مسيرته الطويلة، حقق خلالها 33 انتصاراً مع تعادل واحد، وفاز خلال 24 نزالاً بالضربة القاضية الفنية.

وفي المقابل، فإن فرانسيس إنغانو هو مقاتل فنون قتالية مختلطة، ذو أصول كاميرونية ويحمل الجنسية الفرنسية، وهو أيضاً ملاكم محترف وقّع حالياً مع دوري المقاتلين المحترفين، كما نافس في فئة الوزن الثقيل في رياضة “يو إف سي” حيث كان بطلاً للوزن الثقيل قبل رحيله عن المنظمة.

وكما بدأنا الحديث عن توقيت الحدث، من المؤسف كل تلك الضجة والتغطية الإعلامية التي حصل عليها الحدث في وقت تهمش فيه أبسط الأخبار عن غزة الجريحة وتحذف عن مواقع التواصل كل إشارة أو منشور يتعلق فيها، حيث تحدثت شبكة “سي بي إس” الأمريكية عن النزال الضخم وكذلك فعلت ونقلت شبكة “إي إس بي إن” العالمية المشهورة الحدث من أجل أكبر نسبة مشاهدة داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما صحيفة غارديان البريطانية فقامت بعمل بثّ مباشر لتفاصيل وأحداث النزال بالكامل، لتنقل بعدها تصريحات تايسون فيوري بعد الفوز، فيما كتب موقع “إم إم إيه اليوم” المهتم برياضة الفنون القتالية المختلطة: “إن أشرس رجل في العالم يجب أن يكون مرتبطاً برياضة الفنون القتالية المختلطة”، في إشارة إلى قوة فرانسيس إنغانو وأحقيته بالفوز في حال تغير قوانين الملاكمة والحجز بين اللاعبين قياساً بالرياضة الأخرى.

وأشارت صحيفة لوموند الفرنسية إلى نزال أشرس رجل على الأرض، لتقول: “إن اختيار القتال بالأيدي لإطلاق أكبر حدث رياضي وثقافي في المملكة ليس من قبيل الصدفة..هناك رغبة واضحة من السعودية في توسيع نطاق استضافتها للفعاليات الرياضية العالمية، ما يجعلها عامل جذب حقيقي لمحبي هذه النزالات”.

وأشادت صحيفة ماركا الإسبانية بقوة النزال حيث امتدحت قوة فرانسيس إنغانو الذي صدم المفترس فيوري وبقية العالم بأداء مذهل في أول ظهور له في الملاكمة الاحترافية، وكذلك كتبت صحيفة أتليتيك عن النزال التاريخي في صفحتها الرئيسة: “جاءت الصدمة في الجولة الثالثة عندما أطاح إنغانو بفيوري بضربة قوية بيده اليسرى على جانب الرأس”.