ثقافةصحيفة البعث

“كفر قاسم” في جلسة النادي السينمائي تضامناً مع المقاومين في غزة

ملده شويكاني

“علمتني ضربة الجلاد أن أمشي على جرحي وأمشي ثم أمشي وأقاوم”..

على وقع غناء كلمات محمود درويش انتهى فيلم كفر قاسم بمشاهد توثيقية من حضور أهالي الشهداء إلى المقبرة في ذكرى استشهادهم، في مجزرة كفر قاسم إحدى القرى التي عاش فيها الفلسطينيون داخل الأراضي المحتلة بعد نكبة 1948، والتي راح ضحيتها تسعة وأربعون شهيداً من النساء والشباب والأطفال، بعضهم دون الثامنة في يوم واحد في التاسع والعشرين من شهر تشرين الأول عام 1956.

وقد وثّق المخرج اللبناني برهان علوية هذه المجزرة بإطار فيلم روائي –توثيقي، عن سيناريو كتبه عاصم الجندي، وتم إنتاجه المشترك –فلسطيني –سوري- في سورية عام  1974.

وقد عُرض الفيلم في جلسة النادي السينمائي في سينما الكندي بالتعاون بين مؤسسة أحفاد عشتار والمؤسسة العامة للسينما، بإشراف المخرج والكاتب وليم عبد الله.

يعيدنا الفيلم إلى اليوم، إلا أن كلّ المشاهد الموجعة التي تشدّ أنفاس المشاهد في الفيلم، لا تعادل جزءاً مما نراه من المجازر التي تُرتكب في غزة بيد العدو الصهيوني، ومحاولته إبادة الفلسطينيين بأبشع الوسائل في الوقت الذي يسود فيه الصمت على هذه المجازر إلا من الدول العربية المقاومة. فليست المشاهد التي بُني عليها الفيلم ببعيدة، فمنذ خمسة وسبعين عاماً مازال الشعب الفلسطيني يقاوم ويتمسّك بأرضه وهويته وتراثه.

تدوين أسماء الشهداء

تبدأ شارة الفيلم من النهاية من الخطف خلفاً، إذ عرض مشاهد القتل للعزل برشاشات الصهاينة دون رحمة وهم عائدون من عملهم في القرى المجاورة إلى قرية كفر قاسم، لتدوّن على الشاشة أسماء الشهداء الشباب بين الثامنة عشر عاماً والخامسة والثلاثين، لتتوالى قوافل قتل الأطفال والشباب وأقسى المشاهد إطلاق النار على مجموعة من النساء في الشاحنة وهن عائدات من العمل، بعد أن طمأنهم الضابط على الحاجز، لتخترق رشاشات الجنود الصهاينة أجسادهن، وبينهن المسنة أم أسعد.

تدور أحداث الفيلم بالقرية بمسار درامي واحد صوّر فيه المخرج الحياة البسيطة من خلال يومياتهم، وأبرز دور المرأة الفلسطينية بمساندة الرجل بالعمل بالأرض وبالحياة.

جمال عبد الناصر

يتوقف الفيلم عند قضية القومية العربية التي تقف في وجه محاولات الصهاينة القضاء على الهوية الفلسطينية، من خلال الجمل التي تُكتب بالخط الأحمر على الجدران الطينية “عاش جمال عبد الناصر” وبتوثيق خطاب جمال عبد الناصر بمشهد طويل، حينما تجمع أهالي القرية في المقهى يصغون بإنصات شديد للمذياع وصوت عبد الناصر في الذكرى الخامسة للثورة “أربع سنوات ونحن نكافح ونجاهد ونقاتل للتخلص من آثار الماضي، من آثار الاستعمار”، وأشار عبد الناصر إلى العدو الصهيوني وما يفعله بفلسطين داخل الأراضي المحتلة وخارجها، وأكد على القومية العربية في مواجهة العدو الصهيوني.

مصادرة الأراضي

كما تناول الفيلم مسألة مصادرة أراضي الفلسطينيين وتحويل أصحابها إلى عمال مأجورين، وتصاعدت الأحداث من خلال رجا سمسار العمال -سليم صبري- الذي يعمل لمصلحة الخواجة حايين اليهودي باستدراج العمال الفلسطينيين للعمل بنصف أجر العمال اليهود، إضافة إلى تشتّت الشباب الفلسطينيين وعملهم في لبنان.

المحكمة الإسرائيلية

ويوثق المخرج المجزرة ابتداءً من مرور الشبان على الدراجات ليطلق حراس الحدود الرصاص عليهم، إلى شاحنة الشباب إلى شاحنة النساء، ولم يسلم منهم حتى الأغنام. وفي المشاهد الأخيرة يحوّل الضابط الصهيوني الذي أمرّ بتنفيذ المجزرة إلى المحكمة الإسرائيلية باللغة العبرية. وقد كشفت الأحداث الحقيقية بأنه حُكم عليه مدة سنة ثم أخرج بالعفو.

شارك بالتمثيل عبد الرحمن آل رشي وشفيق المنفلوطي وأحمد أيوب، وغيرهم.

لهجة الكشكشة

ومن المعروف أن المخرج الراحل برهان علوية أخرج وكتب السيناريو للعديد من الأفلام الوثائقية، منها: “رسالة لزمن الحرب”.

حصل الفيلم على جوائز عدة، منها: قرطاج 2- التانيت الذهبي- 1974، وجائزة منظمة التحرير 1974، وجائزة بنياله السينما العربية للأفلام الوثائقية 1977، وغيرها. إلا أنه كان فقيراً بالتركيز على التراث اللامادي الفلسطيني باستثناء العزف الحزين على مزمار القرية، وتعرّض لنقد من قبل الكاتب عمر عاصي بأن الفيلم أغفل لهجة قرية كفر قاسم التي تعتمد على حرفي التاء والشين بدلاً من الكاف ويطلق عليها لهجة الكشكشة، واعتمد المخرج على اللهجة الفلسطينية المستخدمة في أغلب القرى.

التوغل الصهيوني

وفي حديث خاص لـ”البعث” أوضح المخرج والكاتب وليم عبد الله أن اختيار الفيلم يعود للمجازر التي تشهدها غزة، فبحثت إدارة النادي عن فيلم يتعلق بفلسطين، ووجدت نسخة قديمة من الفيلم بالمؤسسة العامة للسينما، ما تطلب وقتاً حتى أصبحت جاهزة للعرض.

وتابع عن فكرة التوغل الصهيوني بفلسطين بطريقة خبيثة وبتوظيف بعض الفلسطينيين لمصلحة الصهاينة كعملاء، ومصادرة الأراضي بشكل احتيالي. وتوقف عند القتل المجاني البارد من خلال الحاجز على الطرقات، والذي تزامن مع المحكمة الإسرائيلية التي كانت تغرم كلّ جندي صهيوني يقتل فلسطينياً بمبلغ لا يذكر، وبالسجن مدة سنة.

الأدلجة الإعلامية

وعقّب بأن أهم رسائل الفيلم إيضاح الفكر الصهيوني بالترويج بأن العربي مجرد رقم ليس بالنسبة للصهاينة فقط، وإنما للعالم برمزية الألعاب اليدوية الموجودة بأسواق الصهاينة، منها لعبة الحبل والمشنقة، من خلال الأدلجة الإعلامية.

الانقسامات الفلسطينية

وبدا ذكاء المخرج بإظهار الانقسامات الفلسطينية، فنوّه إلى مجموعة تؤيد جمال عبد الناصر، وأخرى مع الحزب الشيوعي، بينما مجموعة تتعامل مع اليهود، في ظاهر الأمر أظهر الاختلاف بالآراء لكن بالخطاب المضمر أوضح بأن الانقسامات كانت أداة استخدمها الصهاينة لمصلحتهم، وفي النهاية قتلوهم جميعاً، ما يؤكد أن الصهاينة لا أمان لهم ولا يستثنون من القتل من يتعامل معهم.