مجلة البعث الأسبوعية

أين يقف القانون الدولي الإنساني؟ قتل الأطفال والمدنيين في غزة جريمة حرب يجب أن تسمى بمسمياتها

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

من المؤكد أن الأحداث التي تجري على الأراضي الفلسطينية والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان ضد المدنيين العزل من خلال الهجوم المميت الذي يتسبب يومياً بسقوط عشرات الشهداء، ما هو إلا انتهاك صريح للقانون الدولي والحرية.  ففي كل ساعة وكل دقيقة يُنتهك في فلسطين حق من حقوق الإنسان “غير القابلة للتصرف”، ولعل الأمر الأكثر مأساوية هو الإبادة الجماعية التي تجري الآن في غزة على مرأى ومسمع من الجميع على هذا الكوكب، والتي تتزامن مع عدم رغبة زعماء العالم في المطالبة بوضع حد لها، وإظهار التزامهم الضعيف بالقانون الدولي والنظام الدولي القائم على القواعد من خلال الفشل في تسميتها كما هي: “الإبادة الجماعية”.

وعلى النقيض من ذلك، تواصل العديد من الجهات الفاعلة الترويج للتعليقات السهلة المألوفة التي تتعلق بـ “الحق في الدفاع عن النفس” وأهمية الالتزام بالقانون الدولي، لكن الفشل يجعل جميع أعضاء المجتمع الدولي يتحملون مسؤولية المجازر التي ترتكبها “إسرائيل” التي تتجاهل القيم والقوانين المعمول بها دولياً.

وفي خضم التصريحات السائدة التي تتجاهل عمداً عمليات القتل الجماعي والإبادة الجماعية واستهداف المدنيين واستخدام الأسلحة الكيميائية في المناطق المدنية ذات الكثافة السكانية العالية، لا بد للمرء من التساؤل: أين يقف القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني من كل ما يحصل؟  ألم يكن هذا القانون شعاراً ملزماً تعهدت كل الدول والحكومات بالالتزام به من أجل الحفاظ على السلام والأمن العالميين؟ أين حقوق الإنسان وقيمة الإنسان؟ فهل اختفت كل هذه القيم والمبادئ من أجل إرضاء السلطات المحتلة، التي ثبت أنها منسقة “لدولة” الفصل العنصري؟

ما هي القوانين التي تنطبق على العدوان الإسرائيلي ؟

لم تجد سلطة الاحتلال الإسرائيلي نفسها متورطة في العديد من الشؤون المشبوهة فحسب، بل إنها انتهكت بوقاحة كل سطر في كتاب القانون الدولي، وهو انتهاك لم يبدأ فقط منذ 7 تشرين الأول، ولكن قبل ذلك بعقود، ومن المؤكد إن الانتهاكات الصارخة للقانون الدولي قد تجاوزت كل الحدود، وهنا لابد لنا من الإشارة إلى بعض  الانتهاكات التي ارتكبتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة:

  • القصف العشوائي للمناطق السكنية واستهداف المرافق المدنية بما في ذلك المدارس، وهو انتهاك واضح للقانون الدولي حيث دمر القصف أكثر من 550 ألف وحدة سكنية، ما أدى إلى تدمير أو تضرر 56 بالمائة من الوحدات السكنية في غزة ،بالإضافة إلى تدمير أكثر من 26 مدرسة بشكل كامل أو جزئي .
  • قصف المنشآت الطبية – بما في ذلك تدمير وإلحاق الضرر بأكثر من 107 مستشفى وعيادة ومركزاً طبياً، بالإضافة إلى تدمير أكثر من25 سيارة إسعاف.
  • الاستهداف المتعمد للموظفين الطبيين وموظفي الأمم المتحدة، فقد أدت الهجمات الإسرائيلية بحياة أكثر من 70 طبيباً ومسعفاً، وإصابة أكثر من 110 آخرون، بالإضافة إلى 45 موظفاً في الأمم المتحدة إلى الآن.
  • كما استهدف القصف الإسرائيلي غير المسبوق الصحفيين عمداً بهدف إسكات الحقيقة، حيث وصل عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم إلى أكثر من 37 صحفياً.

 

  • من المؤكد أن حصيلة الشهداء الفلسطينيين تجاوزت الـ 10.000, شخص، وقد تضمن القتل المتعمد للأطفال والنساء وكبار السن والذين يشكلون 62% من الضحايا، ليصل عددهم إلى: أكثر من 450 طفلاً، و1,929 امرأة، و1,200 مسن من الضحايا وهي أرقام ترتفع بشكل لحظي.
  • قطع المياه والكهرباء والإمدادات الطبية والاتصالات، وهو عقاب جماعي يشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي، بالإضافة إلى تهجير أصحاب الأرض من منازلهم وأراضيهم، حيث أُجبر أكثر من مليون و400 ألف مدني على ترك منازلهم.

إلى ذلك، فإن الهجمات والقصف المتواصل يحمل دلائل واضحة على استخدام الأسلحة المحرمة دولياً مثل الفسفور الأبيض، بالإضافة الكمية المروعة من المتفجرات التي ألقيت على غزة ، والتي تصل إلى12 ألف طن من المتفجرات، وتعادل قوة القنبلة التي ألقيت على هيروشيما.

في هذا السياق، فإنه على الرغم من أن “إسرائيل” سلطة قائمة على الاحتلال، ومع ذلك فإنها تنتهك بشكل واضح القانون الإنساني الدولي على النحو المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف لعام 1949، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب. وعلى افتراض أن ما يجرى في غزة هو “حرب” كما تدعي “إسرائيل”، فحتى الحرب لها قواعد بموجب القانون الإنساني الدولي، وأهمها الحفاظ على حياة المدنيين والصحفيين والعاملين في المجال الطبي والبنية التحتية ذات الصلة، بما في ذلك، المناطق السكنية والمستشفيات والكنائس والمساجد والمدارس ومقرات الأمم المتحدة.

ومع ذلك، يظل توفير الإمدادات الحيوية مثل الماء والغذاء والدواء أولوية، كما ينبغي على “إسرائيل” التوقف عن تدمير البنية التحتية المدنية والتهجير القسري والعقوبات الجماعية.

جدير بالملاحظة، أن سلطات الاحتلال “الإسرائيلي” كانت تنتهك القانون الدولي قبل وقت طويل من شهر تشرين الأول الماضي، فقد عملت “إسرائيل” بشكل ممنهج على استبدال السكان الفلسطينيين الأصليين بوافدين جدد وبناء المستوطنات لهم في الضفة الغربية، وهذا انتهاك آخر للقانون الدولي، فبناء المستوطنات أمر غير قانوني بموجب القانون الدولي.

وإمعاناً في الأذى اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعلى مدى عقود 1913 مواطناً فلسطينياً، من بينهم 170 قاصراً، و39 امرأة، دون محاكمة بحجة الاعتقال الإداري، وللإشارة فإن هذا العدد لا يشمل آلاف المحاكمات في محاكم الاحتلال التي تحرم “المتهمين” الفلسطينيين من التمثيل، ما يجعل العدد الهائل للمعتقلين الفلسطينيين يصل إلى 5750، بينهم ما يقرب من 2000 فلسطيني تم اعتقالهم في الآونة الأخيرة.

من الواضح أن قائمة الانتهاكات التي سبقت الأحداث الحالية طويلة، كانت تهدف لإضفاء المزيد من التوترات على المنطقة، الأمر الذي يثير التساؤلات حول الدعاية التي لا أساس لها من الصحة عن “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” وعن الحق الذي تدعيه قوات الاحتلال في الدفاع عن احتلالها وحصارها غير القانوني؟ وبدلاً من ضمان سلامة وأمن الشعب الرازح تحت الاحتلال- وهو ما ينص عليه القانون الدولي بوضوح – فإن مثل هذه المواقف تمنح قوات الاحتلال ترخيصاً للإبقاء على سياسة الفصل العنصري والإبادة الجماعية وارتكاب المزيد من المجازر والقتل الجماعي.

إن إقصاء جميع الأحداث التي سبقت 7 تشرين الأول يلغي عنصراً أساسياً من عناصر الإنسانية، وهو أن كل شخص بالغ هو الوصي على حياة كل طفل، و لا يوجد طفل أكثر أهمية من طفل آخر!  لذا، فإن أي مطالبة من هذا القبيل بحق “إسرائيل في الدفاع عن النفس”، خاصة مع استمرارها في إراقة الدماء وارتكاب الفظائع، ينبغي اعتبارها بمثابة ترويج لجرائم الحرب. وبدلاً من الإصرار على الترويج لتبرير جرائم الحرب، فإن فرض وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية السلام يجب أن يكون على رأس الأولويات.

من المؤكد، أنه لا يمكن اختيار نقطة واحدة في التاريخ كنقطة انطلاق فحسب، وبالتالي محو السياق الذي نشأ منه الحدث، السياق الأوسع الذي يقع ضمنه الوضع الحالي هو في خضم إنشاء وتوسيع كيان استعماري استيطاني، والتي سهّلها احتلال فلسطين لمدة 75 عاماً، واحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية لمدة 56 عاماً، والحصار غير القانوني المفروض على غزة منذ 17 عاماً.

في الواقع، قامت “إسرائيل” بقتل آلاف الفلسطينيين قبل 7 تشرين الأول، واستهدفت الأطفال والنساء والمسنين، وقامت ببناء وتوسيع المستوطنات، وصادرت الأراضي الفلسطينية وهدمت المنازل، وقامت بقرصنة المياه الفلسطينية والموارد الطبيعية، لذا لا ينبغي لأحد أن يستبعد القائمة الطويلة من الفظائع التي ارتكبتها “إسرائيل” ويقصرها على يوم واحد، فغني عن القول القائمة الطويلة من المجازر “الإسرائيلية” التي ارتكبت بحق المواطنين الفلسطينيين منذ عام 1948.

وللإشارة، فإن الإجراءات العدوانية والقمعية بارتكاب المزيد من المجازر ضد المدنيين الفلسطينيين طال كافة أطياف الشعب الفلسطيني، فقد طالت الاعتداءات المستمرة التي يشنها المستوطنون، بحماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، الكنائس والكهنة ورواد الكنائس. وكان آخرها الشهر الماضي، عندما بصق المستوطنون على مرتادي الكنيسة الفلسطينية، لمجرد أنهم كانوا بجوار كنيستهم.

تدعي السلطات الإسرائيلية أن الفلسطينيون يستخدمون المدنيين دروعاً بشرية! والحقيقة أن “إسرائيل”، بتقنياتها المتطورة للغاية ومراقبتها لكل شبر في غزة، لم تتمكن من تقديم أي دليل يؤكد هذه الادعاءات، وبشكل مماثل كان نشرها للدعاية المزيفة حول قصف الفلسطينيين للمستشفى المعمداني، ومع ذلك،  قد يكون الاحتلال قادراً على تزييف بعض الصور واستخدام الذكاء الاصطناعي، كما فعل مع صور الأربعين طفلاً، لكن الأخبار الكاذبة والدعاية المضللة والأكاذيب الإسرائيلية  لن تستمر طويلاً، فكما هو الحال في اغتيال الصحفية شيرين أبو عقلة برصاص قناص إسرائيلي، عندما نفت “إسرائيل” أي مسؤولية عنها واتهمت الفلسطينيين بقتلها، لكن بعد أشهر قليلة تبين أن القاتل كان قناصاً إسرائيلياً.

مع أن “إسرائيل” خرجت من قطاع غزة، وربما لم تكن القوات الإسرائيلية، موجودة فعلياً في غزة بعد، لكنها منذ عام 2007، حولتها إلى أكبر سجن مفتوح في العالم، حيث يعيش 2.3 مليون فلسطيني ضمن مساحة 365 كيلومتراً مربعاً، ويعاني سكان غزة من حصار بري وجوي وبحري غير قانوني أعاق حركة الأشخاص والبضائع.

في هذه المرحلة، يصبح من المحزن حقاً أن نرى المسؤولين ينتقدون المظاهرات المؤيدة لفلسطين ويدعون أنها تدعم الإرهاب، فالملايين من طوكيو إلى نيويورك، ومن السويد إلى جنوب أفريقيا وأستراليا يخرجون تأييداً لوقف المجازر في غزة.. فهل جميعهم يدعمون الإرهاب كما تدعي الدول الغربية ووسائل إعلامها، وهل كل هؤلاء يرون شيئاً لا يراه من يصفهم بأنصار الإرهاب؟

في الحقيقة، بينت التظاهرات، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، عدم وجود إشارة لأي انتماءات حزبية أو سياسية، بل إن كل هذه الحشود تكلمت بضمير بعد أن شاهدت فظائع المجازر والإبادة الجماعية التي ارتكبتها “إسرائيل”، لقد تجمعت الجماهير لإظهار دعمها لحياة الإنسان، ودعمها للإنسانية ودعمها للكرامة، وللحقوق الأساسية للفلسطينيين في العيش بحرية.

يرى المراقبون، إن المعايير المزدوجة التي أظهرها العديد من القادة يمكن تفسيرها على أنها ليست أقل من اعتراف صادم بأنهم يعتقدون أن قيمة الطفل أو المرأة أو المواطن الفلسطيني لا تساوي قيمة المواطنين الآخرين، لذا فإن قتل الأطفال والمدنيين الأبرياء في فلسطين جريمة حرب يجب أن تسمى بمسمياتها.