دراساتصحيفة البعث

الإنسانية بدأت حصاد النصر

بشار محي الدين المحمد   

بعد ويلات الحرب التي أشعلتها أمريكا وذيولها من الأنظمة الغربية في أوكرانيا، وما خلفته من دمار وقتلى في صفوف الشعب الأوكراني الذي تم إرغامه على خوض صراع ضدّ أشقائه من الشعب الروسي الذي يشاركه اللغة والتاريخ والثقافة والقيم، وما خلفته هذه الحرب من ركود تضخمي ضرب اقتصاد أوروبا قبل غيره من الشعوب، لاحظنا صحوة غير مسبوقة في صفوف الشارع الأوروبي واتحاداته الشبابية والطلابية والنقابية، من الذين كانوا يظنون أنفسهم على مدار عقود أنهم على الصح في كل شيء أو أنهم يحققون بشكل فعلي قيم الحرية والعدالة والتي قامت عليها النهضة الغربية وثوراتها الصناعية والتكنولوجية وما حققته من طفرات في الإنتاج المادي – لكن طبعاً دون النتاج القيمي- ونلحظ الآن أيضاً صحوة أخرى أكبر قوة ومفعولاً مما سبقها، فهذا الشارع بعد أن أيقن أنه كان ضحية لماكينة الإعلام الأنغلوساكسونية، وبعد أن استفاق من جلد ذاته ومازوخيته تجاه اليهود الذين لعبوا وأتقنوا لعب دور الضحية فحصلوا على دعم غير متناهٍ وتأييد لخطاهم حتى بقتل الشعب الفلسطيني بحجة الدفاع عن الشعب اليهودي “المظلوم” كي لا يتعرّض لـ”الظلم” مجدداً، وأقوال رئيسة كيانهم السابقة غلودا مائير وتمثيلها الدور ذاته وخاصة عندما تتفوه بعبارات من قبيل “يمكن أن نسامح العرب على قتل أطفالنا لكن لن نسامح العرب على جعلنا نقتل أطفالهم”.

هذا الكلام كله قد تغير بعد العدوان الإسرائيلي الفاشي على الشعب الفلسطيني الأعزل في غزة بعد أن شاهد العالم بأسره وعبر الكاميرات والسوشال ميديا حجم الدمار والموت والقتل في صفوف مدنيي غزة العزل المحاصرين فيما هو أقبح من معسكرات النازية، عندما تتم تصفيتهم بلا ذنب أطفال وأبرياء بأطنان من قنابل القتل الأمريكية التي لا تميز حتى المريض الذي توجه إلى المشفى لغسل كليته أو ربما لتلقي جرعة ربما تقيه من سريان السرطان في جسده ليلاقى حتفه في ساحة مكان يفترض أن القانون الدولي يحميه وحقوق الغرب تحميه…..

لكن رغم كل حجم الألم الذي عانته وتعانيه غزة فالأمل ما زال معقوداً على صحوات وطفرات في الضمير الإنساني للشعوب، ووحدة مشاعرها تجاه إيقاف العدوان الصهيوأمريكي في المنطقة والعالم وفي إيقاف الحلف الأنغلوساكسوني عن إشعال الحروب والدسائس لتحقيق أطماعه في السيطرة على هذا العالم ونهب خيراته. نعم إن المشهد مبشر وخاصة بعد أن خرج اليهود الأمريكيين في مظاهرة لشجب العدوان على غزة في محطة نيويورك، وبعد أن كتب وتظاهر غيرهم من يهود أوروبا ضدّ ما يحصل من قتل غير مسبوق الوحشية في التاريخ المعاصر. ولا ننسى أيضاً المظاهرات الأخرى في أمريكا و أوروبا واستقالات كبار الموظفين الرسميين احتجاجاً على العدوان. وحتى التيارات العربية التي استوطنت في الغرب والتي كان يظن البعض انحيازها لكل ما هو غربي وكرهها لما هو قومي أو ذو أساس ديني، وحدوا صفوفهم وكلامهم وكتبوا المقالات وبثوا المقاطع المصورة عبر السوشال ميديا لشرح قصة الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وأديانه، كما برهنوا للعالم وبالأدلة أن حركات المقاومة ليست “داعش”، وأن “داعش” ليس الإسلام بل هو مجرّد فصيل مزروع من مخابرات غربية أحضرته من مناطق التوتر التي خلقتها ولوثتها في العالم لتضيف إليه كل شذاذ الآفاق والمنبوذين من المجتمعات المحلية العربية بسبب تطرفهم أو أفكارهم المشبوهة والرجعية، ولتبين لهم أن المقاومة تقوم برد فعل على فعل، ومن بدأ الفعل هو الاستيطان وقضم الأراضي وتعذيب وتصفية الأسرى وقتل المدنيين خلال اقتحامات الأرض المحتلة وقطاع غزة المحاصر والأماكن المقدسة هناك.

رغم كل التقييد من المسيطرين على الشعوب الغربية وكل قوانينهم وإعلامهم الأحادي الذي التزم الصمت أو الحياد تجاه ما يحصل من مجازر في فلسطين بحق الإنسانية والضمير العالمي قبل الضحايا، بتنا نشاهد الكوفية الفلسطينية تنتشر كزي يلبسه البلجيكيون رغم تجريم ذلك من قبل الشرطة التي اضطرت للتغاضي بعد أن بات الضمير الجمعي يلفظ الممارسات المعادية للإنسانية مهما بلغ حجم التقييد والإكراه والإقصاء للمناصب بما فيهم وزيرة في ألمانيا لمجرد إظهار الميل تجاه الشعب الفلسطيني المنكوب.