شركاء الحرب على غزة
عائدة أسعد
إن القادة الذين رفضوا الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، شركاء في جرائم الحرب، حيث قُتل أكثر من 11.000 مدني، من بينهم 4650 طفلاً و3252 امرأة، في القصف الإسرائيلي على مدى الأسابيع الماضية والأرقام ترتفع بسرعة.
لقد أصبح الوضع سيئاً للغاية لدرجة أن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) قالت إن غزة أصبحت مقبرة لآلاف الأطفال، وهي جحيم حي لكل من تبقى منهم، مع العلم أن نحو نصف سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة هم من الأطفال.
وحسب ما قاله فيليب لازاريني، رئيس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا)، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، فإن جميع سكان غزة أصبحوا مجردين من إنسانيتهم، كما شجب العقاب الجماعي الذي تمارسه “إسرائيل”، وقال إن وقف إطلاق النار أصبح مسألة حياة أو موت بالنسبة لـ 2.3 مليون شخص.
إن القصف المتهور والوحشي في المناطق المكتظة بالسكان مروع حقاً، ومن المؤكد أن العشرات من الأبرياء، بما في ذلك الأطفال، قُتلوا في الغارات.
وندد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بالقصف الإسرائيلي على مستشفى السرطان الرئيسية في غزة، حيث لم تعد الخدمات تعمل بعد أن قطعت “إسرائيل” إمدادات الكهرباء (إلى جانب إمدادات المياه والغذاء والدواء) وقيدت دخول الأدوية والمستلزمات الأخرى، حيث اضطر بعض الأطباء في مستشفيات غزة إلى إجراء عمليات جراحية للمرضى في الممرات، دون تخدير.
وعلى الرغم من المأساة التي تحدث في غزة، رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الدعوات العالمية لوقف إطلاق النار أو وقف القتال مؤقتاً لتمكين توصيل المساعدات الطارئة من الغذاء والدواء ومياه الشرب والوقود، ويأتي ذلك أيضاً على الرغم من تحذير المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان من أن منع المساعدات الإنسانية قد يشكل جريمة حرب.
لقد لعبت الإدارة الأمريكية دوراً سلبيا في حل الأزمة الإنسانية وذكرت صحيفة “هاف بوست” في 13 تشرين الأول أن مسؤولي وزارة الخارجية الأمريكية أصدروا تعليمات للموظفين للتأكد من أن المواد الصحفية لا تتضمن عبارات محددة: “وقف التصعيد ووقف إطلاق النار، وإنهاء العنف وسفك الدماء، واستعادة الهدوء”.
إن الولايات المتحدة هي إحدى الدول الـ14 التي صوتت يوم الجمعة الماضي ضد اقتراح الأردن في الجمعية العامة للأمم المتحدة، الداعي إلى هدنة إنسانية مستدامة تؤدي إلى وقف الأعمال العدائية، وقد صوتت أغلبية ساحقة من 120 دولة، بما في ذلك الصين، لصالح هذا الاقتراح في رسالة قوية من المجتمع الدولي.
وأيدت واشنطن بشكل كامل العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وقد كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يتحدث في جلسة استماع بمجلس الشيوخ بشأن مساعدات عسكرية بقيمة 14.3 مليار دولار لـ “إسرائيل” عندما قاطعه متظاهرون غاضبون، ليس مرة واحدة بل عدة مرات، حيث طليت أكفهم باللون الأحمر الدموي وهتفوا: “أوقف إطلاق النار الآن, إن يديك ملطختان بالدماء”.
والولايات المتحدة مصرة على أن وقف إطلاق النار لن يفيد سوى المقاومة، ولكن بالنسبة لبقية العالم، فإن وقف إطلاق النار سيساعد في إنقاذ عدد لا يحصى من الأرواح البريئة في غزة.
إن لامبالاة البيت الأبيض بمعاناة الشعب الفلسطيني أمر صادم، وقد شكك الرئيس الأمريكي جو بايدن في دقة عدد القتلى في غزة بدلاً من إدانة ذبح المدنيين، مما دفع وزارة الصحة الفلسطينية إلى نشر القائمة الكاملة للأسماء مع أرقام الهوية لأكثر من 6000 شخص قتلوا.
كما أصبحت الدعوة إلى وقف إطلاق النار غير صحيحة من الناحية السياسية في أجزاء من أوروبا فقد تم طرد بول بريستو، النائب المحافظ من وظيفته الحكومية في وزارة العلوم والابتكار والتكنولوجيا بعد أن حث رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك على الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة.
ولكن مثل قادة الولايات المتحدة، كان سوناك وحيداً أيضاً مع تدفق نصف مليون شخص إلى شوارع لندن دعماً لفلسطين والمطالبة بوقف إطلاق النار.
إن التاريخ سيثبت أن أولئك الذين رفضوا الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار كانت أيديهم ملطخة بالدماء، وهم شركاء حقيقيون في جرائم الحرب في غزة.