القبة الزجاجية!
وائل علي
يعني إذا قفز سعر كغ الخيار في بلد موسوم بأنه زراعي إلى 8500 ليرة، وكغ البطاط تجاوز السبعة آلاف، والبصل اليابس بيع بثمانية آلاف، والثوم بخمس وثلاثون ألفا، والخسة المتوسطة الحجم والجودة بثلاثة آلاف، فماذا نقول عن باقي العمود الفقري لنصائح أطباء التغذية والعلمية،المتوازنة من الخضروات والفاكهة واللحوم والبيض والألبان والأجبان والحليب التي غادرت الموائد وهجرتها بعد أن سجلت أرقاما خرافية هي الأخرى بأسعارها، فأصبحت نسيا منسيا، فجبنة الحلوم مثلا تباع بقرابة الخمس وسبعين ألف ليرة للكغ، وأقل بقليل لأصناف العكاوي والمالحة والمشللة والحلوة، فيما الموز البلدي المحلي واللبناني المستورد بيع ما بين العشرين وثلاثين ألفا، بعد السماح بتوريد كميات محددة من لبنان حصرا!
لقد تغيرت عاداتنا الغذائية وتقلصت الخيارات فصارت البيوت تشتري لحمة الفروج بالفخذة والجانح أوقطعة السفن، أما اللحمة الحمراء فبالأوقية وأقل، وبالمناسبات أو “ع الريحة” كما يقال، فيما السمك بدا وكأنه طعام لكائنات ليست منا وفينا ولا علاقة لنا بها، وهلم جرا! ونحن هنا لا نتحدث عن المأكولات الاستوائية “المستوردة”، القادمة من وراء البحار والمحيطات بل من المنتجات المحلية التي نجح العديد من المزارعين في استزراعها وتوطينها، كما أننا لا نتحدث عن الأصناف والأعشاب والمأكولات البحرية والمحار والكافيار والأسماك الفاخرة، إنما نتحدث عن ترويقة الصباح اليومية وأيام الجمعة الشعبية وتشكيلة الفتات والفول النابت والمسبحة وحفلات مشاوي الظهيرة، ومكسرات السهرة والقعدات العائلية مع اللوز والجوز البلدي والفستق الحلبي وكستناء المدافئ وفستق العبيد وعرائس الزعتر المسخنة ولفة اللبنة وكأس الشاي الساخن وبذور دوار الشمس والقضامة الرخيصة، وليس عن البندق والكاجو التي صارت تاريخا وفي عهدة الزمن الغابر!
لقد تجاوزنا الرحلات والترفيه والزيارات والواجبات الاجتماعية والعناية بمتابعة تفاصيل صحة وغذاء العائلة والأبناء وتقليصها للضروريات والشديد القوي للإبقاء على الحياة لا أكثر ولا أقل، ولم نعد نرتكس لأمراض ضغط الدم والسكري والأمراض التي تؤشر وتدل على أن خللا واضحا يستوطن سرا وعلانية الأبدان. وها هي الإصابات القلبية البليغة وحالات الاكتئاب الشديدة وشحوب الوجوه وهزال أجسام الأطفال واليافعين الذين تركوا مقاعد الدراسة تحت ضغط ظروف فقر وعوز عوائلهم تحكي بالأرقام ما حل بشبابنا وأهلنا وناسنا.
والسؤال: هل حقا نحن لا نستطيع ولا نقدر؟ ولماذا صرنا غرباء في دواخلنا وعن بعضنا! أصحيح أن كل ما نحن فيه بفعل الحرب وتداعياتها والحصار وقسوته وملفقيه ومروجيه وحسب؟ أين اختفى دور نخبنا وقاماتنا ومرجعياتنا الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والعلمية؟ وأين مفاعيل “قبة” حماية المستهلك “الزجاجية”؟ وأين صوت البرلمان والاتحادات والمنظمات والنقابات، وسائر ممثلي المجتمع الأهلي؟
أحقا ليس بالإمكان أن نكون أفضل مما نحن فيه؟ مع ذلك سنظل متعلقين “بدشداشة” ما أصعب العيش لولا فسحة الأمل.. ونستمد من ضعفنا قوتنا ونستلهم ما تغنيه فيروز “إيه في أمل” لنستمر.. لكن لا بد من السعي والعمل والتغيير، وقبلها – وهو الأهم – النوايا والإرادة التي لا نرى أثرا لها مع الأسف!