انكماش الإنتاجية!!
بشير فرزان
يبدو أن حالة الارتياح التي يتمّ العمل على رسمها في يوميات المواطن لم تعد ذات فاعلية كبيرة، لجهة تسكين المخاوف وإسكات الهواجس التي تتصاعد – على ما يبدو – وتيرة تشكيكها بالانفراجات القريبة، سواء على صعيد الحياة المعيشية وضبط الأسواق (الغلاء)، أم لجهة تأمين المحروقات وتخفيض ساعات التقنين الكهربائي وغيرها من الملفات التي بات من الضروري الإفصاح عنها، أو على الأقل أن تكون هناك مصارحات بشأنها، بحيث يمكن من خلالها الخروج من عقدة زرع الأمل التي تكبّل العمل الحكومي وتخضعه لصيغة (السين.. وسوف)، دون الانتباه إلى عدم صلاحيتها في هذه الظروف!
وعلى ما يبدو عليه المشهد المعيشي من تسارع في ضربات الأزمات المتتالية وتدفق التحديات المختلفة على حياة الناس، يأتي تطابق التوقعات المتعلقة باقتراب موجة جديدة من الغلاء ستطال الكثير من المواد الأولية مع مؤشرات الأسواق المحلية الدالة على خلل في المعادلة التسويقية التي يقلّ فيها العرض ويتعاظم الطلب على الكثير من المواد غير المتوفرة، ليزيد من حجم وشدة المواجهة بين الأداء الوزاري والمستجدات التي تحتاج إلى توحيد الجهود، وتسريع وتيرة الإجراءات والقرارات المتخذة على جبهة الحلول بمختلف مناحيها واتجاهاتها من جهة، وبين الحكومة والشارع السوري المترقب للانفراجات بشتى أنواعها.
وقد يكون لتقلّص وانكماش الأنشطة الإنتاجية المتمثل بتراجعات حادة في كلّ القطاعات الدور الأكبر في توجيه الدفة الاقتصادية نحو الاعتماد أكثر فأكثر على الاستيراد، إلا أن ذلك لا يعني إعفاء المخطّط الاقتصادي بكل أفكاره الاستشارية من مسؤولية الخلل الحاصل في بنية وهيكلة الاقتصاد بعد سلسلة طويلة من القرارات غير المتوائمة مع متطلبات الواقع الجديد، وهذا ما يعني بوجهه الآخر تراجع مستوى المعيشة ونوعية الحياة، وخاصة بالنسبة للطبقات الفقيرة والشرائح الهشة، فحالة الغلاء الدائمة والمتصاعدة التي تعيشها الأسواق وضعف الرقابة وفوضى التسعير (وانتشار الغش وتدني نوعية المنتجات)، وسطوة احتكار القلة وعدم القدرة على رسم خارطة الدعم وإغراق السياسة النقدية في متوالية التصدير والاستيراد، والتخبّط في تحديد الموارد وحصرها في الجانب الضريبي، دفعت بعجلة الواقع الاقتصادي والحياتي إلى هاوية الفشل المعيشي.
ولا شكّ أن الواقع الحالي بكل تحدياته يفرض حالة من التكامل في العمل، وعدم التهاون في مسار المعالجات، وهنا نركز على حقيقة أن عملية النهوض بالواقع الإنتاجي لا يمكن أن تتمّ دون عمل جماعي مشترك بين العديد من الوزارات، فلا يمكن الإقلاع بالإنتاج الزراعي دون مشاركة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وذراعها التسويقي المتمثل بالسورية للتجارة، ومشاركة وزارة الاقتصاد والصناعة والغرف الزراعية والصناعية والتجارية وغيرها من الجهات التي تمثّل حلقة إنتاجية واحدة تدور بين مكاتبها كافة العمليات الاقتصادية والمعيشية.
بالمحصلة النهائية.. نجد أن ما يتمّ على أرض الواقع بعيد كلّ البعد عن هذا المسار الإنتاجي، وما يزيد من القلق انقطاع التواصل وانسداد الأفق بين مختلف الجهات التي ترمي بأثقالها وأعبائها على الجهات الأخرى، وطبعاً الاجتماعات التي تُعقد لتفعيل التواصل تبقى حبيسة المراسلات الورقية التي لا يتمخّض عنها سوى المزيد من العراقيل والتحديات!!.