طوفان الأقصى.. هل يعزل الكيان الصهيوني دولياً؟
د. معن منيف سليمان
تفاقمت مشكلة موجة العداء والكراهية لـ”إسرائيل” في جميع أنحاء العالم، ووصلت لمرحلة لم يسبق لها مثيل منذ الحرب العالمية الثانية، والتأييد العالمي انتقل إلى تأييد واسع للفلسطينيين. ويعدّ ذلك تهديداً استراتيجياً يُنذر بعزلة دولية للكيان الصهيوني نجم عن إفراط الجيش الإسرائيلي في القتل والتدمير ضدّ غزّة.
تتزايد رقعة حركة المقاطعة الدولية لـ”إسرائيل” يوماً بعد يوم، وتأخذ أبعاداً متعدّدة وأشكالاً شتّى، وصولاً إلى مرحلة عزلة “إسرائيل” الدولية، إلى أن تقترب من نموذج نظام الفصل العنصري في جنوبي أفريقيا. فقد هدّد الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بقطع العلاقات مع “إسرائيل”، التي منعت تصدير المعدات الأمنية إلى كولومبيا بسبب موقفها من الاعتداء الإسرائيلي على غزة.
جاء ذلك بعد استدعاء سفيرة كولومبيا لدى تل أبيب على خلفية تصريحات رئيس بلادها غوستافو بيترو، بشأن الحرب على غزّة، التي عدّتها “إسرائيل” “تصريحات عدائية ومعادية للسامية”. وقررّت “إسرائيل” وقف الصادرات الدفاعية إلى كولومبيا.
كما تشهد أمريكا اللاتينية أبرز نجاحات المقاطعة لـ”إسرائيل”، حيث أعلنت حكومة بوليفيا في بيان رسمي عن قطع العلاقات الدبلوماسية مع “إسرائيل”، بسبب جرائمها في غزّة.
فقد قالت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا في تدوينة عبر منصة “إكس”: “دعونا نتحرّك، لا يزال من الممكن وقف الإبادة الجماعية”، ودعت الوزيرة الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات ضد “إسرائيل” وطالبتها باتخاذ أربعة قرارات عاجلة هي “قطع العلاقات الدبلوماسية معها” و”فرض العقوبات الاقتصادية بشكل حاسم”. كما دعت إلى “حظر الأسلحة” و”تقديم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وجميع القادة السياسيين الآخرين الذين قصفوا المدنيين إلى المحكمة الجنائية الدولية”.
هناك الكثير من الشواهد والمعطيات التي تظهر أن “إسرائيل” باتت معزولة دولياً، وقد لا يتسع المجال لاستعراضها جميعاً في هذه العجالة، لكن قرار عملاقي التكنولوجيا الصينيين “بايدو” و”علي بابا” توقفا عن عرض اسم “إسرائيل” على خرائطهما، وهي خطوة قالوا إنها تعكس “دبلوماسية بكين الغامضة في المنطقة”. ذلك أنّ الخرائط الموجودة على الإنترنت تظهر حدوداً ومدناً دون تسمية “إسرائيل”، على عكس الدول المجاورة الأخرى.
وتبدي “إسرائيل” مكابرة واضحة في مباهاتها بأنها ما زالت تمتلك شبكة علاقات إقليمية ودولية عزّ نظيرها على المستوى الرسمي، وهي بذلك تحاول إخفاء انتكاساتها الإعلامية والدعائية على المستويات الشعبية غير الحكومية، وهي مستويات لا تقلّ أهمية بنظرها عن نظيرتها الرسمية. فقد خرجت أعداد غفيرة في عواصم دول أوروبية عرفت بانحيازها إلى “إسرائيل” دعماً للفلسطينيين وتأييداً لحقهم في الدفاع عن أنفسهم.
ويعكس التصويت الذي وقع في الأمم المتحدة عزلة أمريكا دبلوماسياً بسبب “إسرائيل”. فقد بدت الولايات المتحدة معزولة بشدّة بعد أن انضمت 12 دولة فقط إلى واشنطن و”إسرائيل” في الجمعية العامة للأمم المتحدة في معارضة اقتراح يدعو إلى هدنة إنسانية مستدامة تؤدّي إلى وقف الأعمال العدائية.
يُذكر أن التحالف الأمريكي الذي صوّت ضدّ القرار لسبب واحد لا يمثّل سوى 7 بالمئة من مقاعد الجمعية العامة، وهو ما يحمل بعض التشابه مع العزلة الدبلوماسية التي شهدتها روسيا بشأن أوكرانيا في العامين الماضيين.
وبعد أن حققت الدبلوماسية الإسرائيلية نجاحات ملحوظة في مشاريع التطبيع مع دول عربية، ووقعت اتفاقيات سلام معها، فقد أكدت مصادر كثيرة أنه تمّ تجميد كل خطوات التطبيع بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزّة.
إن تخوّف “إسرائيل” بعيداً عن التهويل والمبالغة، يكمن في خطورة تحوّل موجات المقاطعة الدولية التي تواجهها حالياً، إلى حملة عالمية غير مسبوقة لنزع الشرعية عن مجرّد وجودها، لأن هذه الموجات ستتعاظم في ظلّ استغلال “إسرائيل” الفرص لاستفزاز العالم، إلى درجة تدفع للتساؤل عن أن هذه الموجات هل تتحوّل إلى “طوفان” يعمّق عزلة “إسرائيل” الدولية، وينزع الشرعية عنها؟.