“من قاسيون إلى غزة”.. تحية عزّ وإكبار في المنتدى الثقافي العراقي
ملده شويكاني
“وطني ليس حزمة من حكايا/ ليس ذكرى وليس قصة أو نشيداً/ ليس ضوءَاً على سوالف فُلّة/ وطني غضبة الغريب على الحزن/ وطفل يريد عيداً وقبلة”.
ما قاله محمود درويش في الوطن، نراه ماثلاً اليوم أمام أعيننا في أحداث غزة وما تتعرّض له من إحراق ومحاولة لإبادة جماعية على يد الصهاينة، ما نراه في استشهاد الأطفال وجراحهم التي تسكب الدماء على مرأى من العالم.
ومن دمشق التي تؤمن بأن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية الأولى، وقف عدد من الشعراء السوريين وقفة تضامن مع غزة في المنتدى الثقافي العراقي في دمشق بفعالية شعرية موسيقية بقيادة الموسيقي بسام طباع، بعنوان “من قاسيون إلى غزة” حملت رسائل إلى المقاومين، وحرّضت المتخاذلين ليهبوا لنصرة غزة.
وقد تفاوتت القصائد الملقاة من حيث الزخم الشعري وجزالة الألفاظ والأساليب البلاغية، والشكل الشعري بين العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر، إلا أنها التقت جميعها على الخطاب المباشر لغزة، ولم تخلُ من اللظى والبيّن والجوى والنجوى، بمشاركة علي أبو روزا، ود. شفيعة سلمان، وهناء داوودي، وخلود كريمو.
تحية إلى الشهيد
قدّمت الفعالية الشاعرة رود مرزوق، معرّفة بالشعراء، كما أغنت الفعالية بالفواصل التي ألقتها من أشعارها، فبدأت بتحية إلى الشهيد بقولها: الله أكبر ناداها مدوية/ ما كان في قلبه خوف ولا ندم/ إن الشهادة في وجدانه قسم/ يبقى يلج على وجدانه القسم.
القدس وغزة
وتميّز الشاعر القادم من حلب علي أبو روزا بصوته الرخيم وإلقائه القوي المتناغم مع قوة مفرداته وشعره العمودي المقفى بقافيته الميمية الموزونة بـ”فَعل”- العدم- الهرم- الحمم- الألم- الورم- موظفاً رمزية السيف في الدفاع عن الحق بقصيدته “يا غزة الروح”، معتمداً على أسلوب النداء:
” يا غزة الروح”: لونتُ وجهك محمّراً بلون دمي/ فعاد جرحاً ندي النزف من ألمي.
وتابع مناداته بـ”يا أم ألف شهيد، ويا أم الدماء” رابطاً بين غزة والقدس الحلم والهدف: هناك في القدس حيث الجرح بات صدى/ للصابرين على… الأهوال والألم.
ويعود إلى غزة: إني كتبتك في قلبي مجاهدة/ سمراء تحمل لون القيد والسقم/ لا يرهب الليل إلا السيف إن برقت/ به الصّفاح وغاص الحدّ بالعُتم.
وينهي قصيدته بقوة أبطال فلسطين وتشبيههم بالأسود، لا يهابون الموت والمعارك: تبقى الأسود بشمس الغاب عارية
ولا تلوذ بنوم الظلّ والأكم.
ولادة ومقاومة
في حين قدّمت أم الشهيدين في الحرب الإرهابية على سورية د. شفيعة سلمان قصائد تناولت المقاومة بمباشرة متأثرة بشعراء المقاومة الذين استخدموا اشتقاقات الفعل “قاوم” فعنوّنت قصيدتها بـ”وُلدتَ مقاوماً” اختزلت من خلاله تاريخ الشعب الفلسطيني بمقاومة العدو الصهيوني، مشيرةً إلى ما يفعله من مجازر الإبادة الجماعية في غزة: الرأس يصدع من حدوث إبادة/ والقلب كالبركان حزناً يغلي/ قاوم فإنك قد ولدت مقاوماً/ طوّرت أحجاراً فجاءت تدلي.
الادعاءات الإعلامية الباطلة
وتابعت تصوير جرائم الصهاينة ومحاولاتهم قلب الحقائق والتضليل الإعلامي، بقولها: هم فيلمانيون في إعلامهم/ والحق لا يمحوه قول البُطل.
وتتابع عن جرائمهم بقتل الأطفال، مقتبسة اسم فرعون من القرآن الكريم: خطفوا البراعم من ربيع غصونها/ فرعونهم أفتى بقتل الطفل.
لتؤكد في قفلة القصيدة قوة فلسطين وانتصارها الآتي: دامت فلسطين شغاف قلوبنا/ رأس البغاة ندوسها بالنعل.
تساؤلات..؟؟
أما شاعرة الياسمين هناء داوودي، فبدأت قصيدتها عن فلسطين بإثارة تساؤلات مستخدمة الأسلوب الإنشائي بالعنوان كعتبة للنص “لمَ نحن؟؟ نضيع في مهبّ السؤال” لتتابع تساؤلاتها بتقطيع الكلمات وقوة تأثيرها بين السؤال والاستفسار:
“ما سرّ تلك المدائن/ تعول دوماً على الشقاء/ شدة تتلوها شدة
فلا جرح استقال في أوج اشتعال”
وتناجي الزيتون والدحنون والأغنيات، متطرقة إلى صبر تلك المدائن وهي تودّع أطفالها إلى السماء: صابرة صامدة/ نازفة وراضية/ حين عبوس/ المصير.
لتختزل في قفلة القصيدة قوة المقاومة: وتخرج كمعجزة/ من تحت الرماد.
مشهدية شعرية
وقدّمت الشاعرة والفنانة التشكيلية خلود كريمو قصائد عدة بدأتها بقصيدة لفلسطين بعنوان “فلسطين الأبية لا تبالي”، وقد تميّزت برسم مشهدية شعرية وكأنها ترسم لوحة مركزة على النار المضطرمة على غرار الأقدمين، ومعتمدة على الكناية ورصانة الألفاظ، والتضمين والنفي: فإن ظنوا بأنهم استباحوا/ أراضيها وما فيها وهبّوا/ فإن النار تذكيها الرياح/ فلا تخبو إذا امتدت وهاجت/ وقد تغلي فيشتعل الكفاح/ ومهما يطلق الباغون سهماً/ فلا يدمي نواصيها سلاح.
لتومئ في قفلة القصيدة إلى التآخي بين دمشق وفلسطين والأمل بالنصر “فمن دمنّا سينهمر الصّباح”.
العود والأورغ
كما حفلت الفعالية بفقرات للموسيقا الآلية بمشاركة وإشراف عازف الأورغ بسام طباع وعازف العود فادي العبد الله، بدأت بعزف النشيد العربي السوري وموطني ومن ثم بعزف أغنية سعدون جابر”قلي إيش ذكرك بي” تحية إلى بغداد والشعب العراقي.
جورج حنا
أما الفقرات الغنائية فتوزّعت خلال البرنامج بمشاركة المغني السوري جورج حنا بمرافقة العود والأورغ، فغنى للموسيقار الكبير ملحم بركات المتأثر به أغنيات عدة، منها “موعدنا بأرضك يا بلدنا”، ومع تفاعل الحاضرين غنّى إحدى أغنياته الخاصة من كلماته وألحانه باللهجة الشامية المحكية، وهي أغنية عاطفية اتصفت بجمالية المفردات وتناغم تراكيبها على وقع ألحانه التي تخللها فاصل إيقاعي مطوّل “إنت إللي ببالي”– إنت ع طول ببالي وهواك غيّر حالي”.
اللقاء والبقاء
وأنهت رود مرزوق الفعالية بمقطع من قصيدتها العاطفية، مشيرة إلى لهفة اللقاء والعناق والبقاء، وكلنا نتوق للقاء النصر القريب في غزة بعون الله.
“لتعيش بي وأعيش بك/ ونعيش الهوى/ حتى يتوفانا الأجل”