الصفحة الاخيرةحديث الصباحصحيفة البعث

مواقع النّار

عبد الكريم النّاعم 

أكتب الآن وما أدري ما ستؤول إليه الأمور، في المعركة الدائرة بين المقاومة والعدو الصهيوني الأمريكي، إذ يصعب التكهّن، بالنسبة لي على الأقلّ، وهذا لا يمنع من تحديد ما له علاقة مباشرة فيما يدور على الأرض.

النّار الأولى هي النيران الصهيونيّة الأمريكيّة، فواشنطن ضالعة في هذه الحرب، ليس بتأييدها العلنيّ لتل أبيب فحسب، بل بالأسلحة التي تمدّ بها “إسرائيل”، وبالبوارج المرابطة في البحر المتوسط، ولا يغيّر من هذه الحقيقة بعض التصريحات التي تبدو “ليّنة”، كزعمها أنّها لا تريد لهذه الحرب أن تتوسّع، فواشنطن لم تكن صادقة في يوم من الأيام، بل هي تقول شيئاً وتفعل عكسه، ولو أرادت لهذه الحرب أن تتوقّف لأوقفتْها ساعة تشاء، وأقصى ما صدر عنها أنّها لا تمانع في هدنة لأيام معدودة، لا لإيصال المساعدات لغزّة المدمَّرة، بل لإخراج بعض الأمريكيّين الأسرى في يد المقاومة.

النار الثانية، وليست أقلّ خطراً من الأولى هي نار جماعة أوسلو الذين لم يتجرؤوا على إعلان وقف التّعاون مع الصهاينة، ربّما، كما يُقال لأسباب ومنافع شخصيّة، وهذه نار مشتعلة في أثاث البيت الذي يجب إطفاء النار فيه.

النار الثالثة هي نيران بعض وزراء خارجيّة (عرب) التقوا مع وزير الخارجيّة الأمريكيّة، وكانت مواقفهم – بحسب ما وصلنا – في منتهى الرّخاوة، وكأنّ ما قالوه لا يعدو كونه تبرئة ذمّة إعلاميّة، أو ورقة التّوت، وأيّ موقف لا يرتفع إلى مستوى الحزم الذي (قد) يجعل واشنطن تُعيد بعض حساباتها، هو موقف مُدان، ولكنّ واشنطن مُطمئنّة إلى حلفائها من (حكّام العرب)، وليست بعض تصريحات مسؤولين كبار في بلدان عربيّة إلاّ تلطّياً، وتضليلاً لموقف شارع بلدانهم، فهم كلّما تقاعسوا عن نجدة المقاومة أكّدوا أنّهم شركاء في المجزرة في غزّة، وإلاّ فما معنى أنّ ما دخل من معابر غزّة هو أقلّ من نقطة من بحر في ضوء احتياجات أهلنا فيها؟!! وما معنى دعوة المجلس الإسلامي بعد مرور شهر على التدمير المتزايد، وكأنّهم يمنحون وقتاً إضافيّاً للعدو الصهيوني لتحقيق المزيد من الدّمار.

ماذا ستقول الأجيال القادمة عن هؤلاء؟!! سيكونون قد رحلوا، نعم، ولكنّ حكم التاريخ سيبقى لاصقاً بهم ما تتالت أجيال هذه الأمة، التي تقف أمام مصير إمّا أن تكون عزيزة حرّة، أو أن يُحوِّل الصهاينة والأمريكيون أبناءها إلى أرقّاء، وعبيد من نوع عصري!!.

الموضوع في جذوره لا يحتمل مراوغة، ولا تذاكياً، ليس فيه شيء من الذّكاء، بل هو مفضوح حتى النّخاع، فإمّا أن تكونوا مع الدفاع عن شرف الأمة، وشرف أجيالها، ونصاعة مستقبلها، وإمّا أن تقبلوا أن تكونوا في الصفحات الملعونة من التاريخ.

هل ثمّة ما يُطمئن بعض الشيء؟ بالنسبة لي أيضاً، أنا كغالبيّة جماهير هذه الأمّة، أثق بما أسمعه من السيد حسن نصر الله، الذي عوّدنا على الصدق، وعلى إدارة الأمور بحكمة ومسؤوليّة، ودون تفريط بشيء، فقد أعلن أنّ الأساطيل الأمريكيّة المحتشدة لن تخيفه فقد أعدّ للأمر عدّته، وهذا ما قد يُطفئ بعض النيران الملتهبة في أعماق كلّ شريف حرّ فوق ظهر هذه البسيطة.

ثمّة فارق جوهريّ بين التمنيّات، كيفما كان مضمونها، ثمّة مَن يتمنّى ألاّ تندلع النار في المنطقة، وثمّة مَن يرى أنْ قد يكون فيها خلاص من الكابوس الإسرائيلي، إذْ أنّ بلادنا مهدَّدة ما دامت قلعة الغرب المّدجّجة قائمة، وسبيل الحلّ العادل الشامل غير متيّسر حتى الآن على الأقلّ.

aaalnaem@gmail.com