ثقافةصحيفة البعث

جماليات الغواية اللونية.. وجوهٌ من المشهد التشكيليّ السوري

استكمالاً لكتابه “دروب في المشهد التشكيلي السوري المعاصر– ملامح البحث عن الهوية” الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2015 يسلّط الكاتب والإعلامي علي الراعي في كتابه الجديد “جماليات الغواية اللونية- وجوه من المشهد التشكيلي السوري” على تجارب تشكيلية حيّة تعيش بيننا كنوع من التكريم للفنان في حياته، راصداً التجربة الفنية لتسعة عشر فناناً تشكيلياً، غادر الحياة بعض من أصحاب التجارب المقروءة في الكتابين خلال الإعداد لهما.

الغواية الأولى

كمحرر ثقافي لم يترك الراعي مجالاً في الثقافة لم يخض فيه، ويبدو أن النقد التشكيلي الذي قاربه من بوابة الصحافة كان غوايته الأولى، لينجز اليوم كتابه الثالث في هذا المجال الذي يأتي بعد كتاب “الطواحين- دراسة في جماليات العمارة على ضفاف الأنهار السورية” و”دروب في المشهد التشكيلي السوري- ملامح بحث عن الهوية”، ليؤكد الراعي في تصريحه لـ”البعث” أن غاية الكتاب الجديد عن المشهد التشكيلي السوري وما سبقه ليست دراسة مسيرة الحركة التشكيلية السورية خلال المئة سنة التي مرّت على حضورها كفنون تشكيلية معاصرة، وإنما أخذ مقاطع من اتجاهات فنية تشكيلية مختلفة في فنون التصوير والنحت والحفر والكاريكاتير، وغيرها، من خلال أجيال مختلفة، منوهاً بأن مسألة التوثيق لم تغِب عن قراءة التجارب المقدمة في الكتاب كعيّنات عشوائية ومُنتظمة في الوقت نفسه، تبدأ من أكثر التجارب الأكاديمية والاحترافية العالية إلى التجارب العفوية لدرجة الفطرية والكثير من التنويعات فيما بينهما، مشيراً إلى أن المعايير التي اعتمدها في الكتاب كانت تسليط الضوء على تجارب تشكيلية ما تزال في عطائها، سواء أكانت في ذروة العطاء أم في نضوج التجربة الكامل، وأن تكون التجربة خارجة عن المُحترف التشكيلي المتماثل ومفارقة له في الكثير من الملامح دون أن تكون خارجة عنه من خلال أسلوبية اكتسبتها على مدى الغواية اللونية وعلى مدى التكوين إذا ما كان صاحب التجربة نحاتاً أو حفاراً أو مصوراً ضوئياً وحتى رسام كاريكاتير، وكذلك الوصول مع القارئ المتلقي المتابع لأن يقول بكل ثقة: إنّ هذه التجربة سورية رغم تشابك التجربة مع حركة الفنون التشكيلية في العالم لأنها بقيت وفيّة لملاحها السورية، مستثنياً منها تجربة الفنان سبهان آدم فيما شطحت إليه في الكثير من القيم التي بنى عليها الفنان لوحته حتى كاد أن يُضيع أي ملمح سوري لها لولا الإبقاء على بعض التزيينات الزخرفية التي أكسبتها هويتها السورية المستمدة من إرث سوري قديم وحضارات سورية متعدّدة وتوظيفه للأساطير السورية الكثيرة.

تجارب ليست نهائية

وحول مسألة التبويب في الكتاب لا يخفي الراعي أنه وإن كان مأخوذاً بهذه المسألة، إلا أنه اقترح مجموعة أبواب ولكن ليس بمعنى تبويب الحسم والفصل وعدم التداخل والتشابك بين هذه الأبواب التي كان فيما بينها الكثير من القواسم المشتركة، معتمداً ملامح معينة كمعايير في هذا التبويب، منها على سبيل المثال: محاولة التجييل والحالة العمرية، الاتجاهات الفنية والدراسة الأكاديمية، الحراك لصاحب التجربة، وغير ذلك، موضحاً أن التجارب موضوع الدراسة والبحث في هذه الأبواب ليست نهائية وحاسمة، حيث ثمة الكثير من التجارب الأخرى قد تكون أهم منها تتشارك معها في كل ما تقدم، ولكن كل ما في الأمر أنه قدم قراءة لعيّنة لمعرفة كامل المشهد، مع تأكيده أن الفصل التام بين التجارب هو أمر أقرب لأن يكون عبثياً، وأن الفصل كان للدراسة ولاعتبارات الملامح التي كانت الأكثر ظهوراً في التجربة، وكانت المعيار الذي كان دافعاً للتبويب الذي حمل عنوان “وجوه” قسمها الكاتب إلى: وجوه أولى، وجوه تالية، وجوه خارج السرب، وجوه بعلامات فارقة، وجوه أخيرة.

وجوه

قام الكاتب في باب “وجوه أولى” بقراءة تجارب سورية تُعتبر من الرواد في الحركة التشكيلية المعاصرة، وقد أسّست للتشكيل السوري بقيم تشكيلية كان لها إيقاعها على الكثير من التجارب السورية اللاحقة، كما كان لها صداها في المشهد التشكيلي العالمي، ومن هؤلاء ليلى نصير، نذير نبعة، ناجي عبيد، معد أورفلي، أما في الباب الثاني “وجوه تالية” فقد سلّط الكاتب الضوء على التجارب التشكيلية الأكاديمية التي أكملت التجارب السابقة باحترافية عالية مسنودة بالموهبة والدراسة الأكاديمية والبحث العلمي ولدى بعض أصحابها الكثير من المؤلفات العلمية في مجالات الفنون الجميلة أمثال نشأت الزعبي، خليل عكاري، إدوار شهدا، أنور الرحبي، نبيل رزوق، ليقدم في الباب الثالث “وجوه خارج السرب” تجارب استطاعت أن تُسجل لنفسها أسلوبها الخاص، ولاسيما أنها لم تُعدد في مجال شواغل اللوحة، واعتمد أصحابها على معطى واحد، مبيناً الراعي قدرتهم على التنويع ضمن هذا المعطى دون خشية تكرار أو تماثل مثل بديع جحجاح، سبهان آدم، وضاح السيد، عبد السلام عبد الله، وفي باب “وجوه بعلامات فارقة” أكد الكاتب أن كلّ التجارب قيد الدراسة في هذا الكتاب هي تجارب بعلامات فارقة، لكن المُفارقة في تجارب هذا الباب ذهبت أكثر باتجاه الخامة أي الحامل للموضوع التشكيلي الجمالي، حيث ثمة تماهي حضور لعنصر الخامة، إضافة للتقنيات التي يستخدمها الفنان أو الفنانة، ومع إعطاء صبغة من الطرافة والفن العفوي على النتاج التشكيلي المُقدم بشكل عام ومن هذه التجارب: جميل قاشا، نزار علي بدر، حسن عزيز محمد، أسامة جحجاح.

ويختم الكاتب الكتاب بباب “وجوه أخيرة” وقد خصّصه لنوعين ناضلا طويلاً لأن يحجزا لنفسيهما مكاناً في صفوف الفنون التشكيلية، هما الكاريكاتير والتصوير الضوئي، ومن هؤلاء عبد الله بصمه جي، أسمهان حامد.

يُذكر أن الكتاب من إصدار الهيئة العامة السورية للكتاب ويقع في 312 صفحة من القطع الكبير.

أمينة عباس