حضور خجول..!
معن الغادري
لم يعد الأمر مقتصراً على الفوضى التي تشهدها الأسواق وارتفاع الأسعار اللحظي، وخروجها عن سيطرة حماية المستهلك في حلب على وجه التحديد، والتي تسعى جاهدة رغم إمكاناتها المتواضعة وقلّة عناصر الرقابة ونقص آلياتها في ضبط ما يمكن ضبطه من مخالفات متنوعة يعلن عنها دورياً. فالأمر يزداد تعقيداً وفوضوية نتيجة الحضور الخجول للمكتب التنفيذي لمجلس المحافظة ولجانه المشتركة المكلفة بمتابعة حركة الأسواق والأفران وعمل المولدات وكل ما يتعلق باحتياجات المواطنين، وكل المعطيات والمؤشرات والمعاناة المتعاظمة تؤكد أن الاجتماعات الأسبوعية، وما يُسمّى بعضها بالاستثنائية، ورغم كلّ إجراءاتها وتوصياتها وقراراتها -الصارمة- وفق ما يحلو للبعض وصفها، فشلت وبامتياز في إيجاد أي حلّ لمعضلة الأسواق وارتفاع الأسعار والتلاعب بقوت المواطن من قبل التجار الأكثر جشعاً واستغلالاً، ومردّ ذلك أن معظم القرارات فضفاضة وقابلة للتحايل والمناورة والمساومة تحت عناوين ومبررات وشعارات لها علاقة بالظروف الاقتصادية الاستثنائية التي نعيشها.
وهذه المقاربات غير المنطقية في معالجة الملفات الضاغطة وعلى هذا النحو المتكرر يراه البعض أنه يحمل أكثر من معنى وتفسير، ويفرض معادلة جديدة ينطوي تحتها الكثير من حالات الفساد الموجودة والمتكاثرة أصلاً في منظومة العمل المؤسساتي.
وفي الواقع لن نكون متشائمين، ولكن لا بدّ من أن نكون واقعيين وتسمية الأمور بمسمياتها دون تجميل وتلميع، فالحاجة أكثر من ماسة لإجراء مكاشفات واضحة وصريحة واتخاذ قرارات جريئة قابلة للتطبيق والتنفيذ بدلاً من إطلاق شعارات رنانة، سرعان ما تفرغها الممارسات الفردية والجماعية من مضمونها بسوء نيّة أو عن جهل لا فرق، وهو حال معظم مفاصل العمل في مؤسسات ومديريات حلب الخدمية، التي تراوح إلى الوراء وحركة دورانها أشبه بطواحين الهواء.
ومن باب التفاؤل أيضاً نعتقد بل نجزم أن تغيير هذه المشهدية الرمادية ممكن فيما لو تولدت الإرادة والنوايا الصادقة لدى كافة الشركاء ومن منطلق المسؤولية الوطنية، وبما يخدم الصالح العام بعيداً عن استغلال المواقع والمناصب لتحقيق مكاسب ومنافع ضيقة.
وهنا لا بدّ أولاً من تغيير واعتماد نواظم وضوابط حازمة وصارمة تجاه كل من يقف عائقاً في طريق الإصلاح ومحاربة الفساد، وثانياً لا بدّ من الانتقال السريع والفوري من العمل المكتبي إلى العمل الميداني والكفّ عن لعبة تدوير الزوايا والتملص من المسؤوليات والتخفيف ما أمكن من الاجتماعات واستبدالها بجولات يومية لرصد الواقع على حقيقته المرّة، لتكون المعالجة أكثر جدوى ونفعاً، والأهم أن تكون رادعة تخفّف من معاناة المواطنين المعيشية.