تسويق الحمضيات كل شيء على حاله.. اجتماعات ولقاءات والثمار تتساقط على الأرض!!
البعث الأسبوعية – ميس بركات
لم تخرج جلسة مناقشة الواقع الزراعي الأخيرة لمجلس محافظة اللاذقية بنتائج مُرضية للفلاح، فعلى الرغم من تمحور الحديث عن أهمية تسويق الحمضيات محلياً وخارجياً ككل عام بشكل يّجنّب الفلاح والمستهلك الخسارة ويحقق عائد اقتصادي على خزينة الدولة إلّا أن الواقع يشي بعدم استعداد الجهات المعنية للتحرك بأي خطوة إيجابية في طريق الحفاظ على هذا المحصول وحمايته من الانقراض آجلاً أم عاجلاً وتوجهنا لاحقاً لاستيراده كما حصل في الكثير من المحاصيل الإستراتيجية أو حتى الصناعات الوطنية التي انقرضت محلياً في الأعوام الأخيرة.
ثقافة تصديرية
ومع تأكيد وزارة الزراعة وعلى لسان مدير مكتب الحمضيات فيها على وفرة إنتاج الحمضيات هذا العام مقارنة بالعام الماضي، واتخاذ مجموعة من الإجراءات بهدف تسهيل تسويق الحمضيات للموسم الحالي أهمها استجرار 20 ألف طن من قبل المؤسسة السورية للتجارة مع دعمها بمبلغ 7 مليار ليرة سورية كحد أدنى لتحسين قدرتها على تسويق الإنتاج، وغيرها من التسهيلات والإجراءات لردم الفجوة التسويقية بين الفلاح والمستهلك، كان للفلاحين رأيهم في أن الوفرة والقلّة في الإنتاج تعاملان معاملة واحدة في ظل انعدام التخطيط الصحيح لتسويق أي محصول وفير، فتراكم المحصول أدى لتدني سعره من عقر دار الفلاح، وارتفاع سعره على رفوف المحال التجارية كي لا تطاله يد المستهلك، الأمر الذي يؤكد غياب ثقافة تصديرية وروزنامة زراعية في ظل عشوائية في الزراعة وتراكم المنتج في السوق.
خطوات متعثرة
أحمد الهلال رئيس مكتب التسويق في اتحاد الفلاحين تحدث لـ “البعث الأسبوعية” عن الحاجة الضرورية لتسويق الحمضيات هذا العام وسط الإنتاج المرتفع مقارنة بالعام الماضي لافتاً إلى معاناة السوق الداخلية من فوضى عارمة خاصّة في أسواق الهال، وتحدث الهلال عن عدم التزام السورية للتجارة باستجرار ما تم الاتفاق عليه من المحصول إذ لا زال حتى اليوم تدخلها خجولاً في الوقت الذي بدأ موسم الحمضيات يتساقط في الساحل على الأراض، إذ لم يتعدى استجرارها طن واحد من محافظة اللاذقية حتى اليوم في حين صالاتها تعجّ بالموز المستورد.
الهلال انتقد خطوات الحكومة في تسويق الحمضيات هذا العام واصفاً إياها بالمتعثرة و متسائلاً عن جدوى عدم تجاوب الجهات المعنية في الحكومة لمطلب التسويق الخارجي وسط فتح باب لطرح مادة الموز بالتزامن مع فترة جني الحمضيات، ليصل الفلاح اليوم إلى حالة يُرثى لها خاصّة وأن سعر كيلو الحمضيات من أرض الفلاح أقل من التكلفة بكثير، ما يعني أن المزارع سيكون أمام خسارة جديدة في حال لم يتم إنقاذه وتسويق ما ينتجه من زراعة يعتمد عليها في مصدر رزقه.
وباء مزعج
حالة اليأس التي سيطرت على الفلاح والمستهلك ترجمها خبراء التنمية بتصريحاتهم المؤكدة أن موضوع تسويق الحمضيات بات وباء مزعج في كل عام، إذ تحدث الخبير التنموي أكرم عفيف عن وجود ما يسمى العمل التعاقدي في كل دول العالم والذي لسبب ما تُغفله الجهات المعنية بالتسويق لدينا، فمن الضروري العمل على وضع بيانات بتكلفة الإنتاج وكمية الإنتاج والكميات التي ستُصدّر للخارج وللداخل قبل زراعة أي محصول كي لا نقع في مطب التسويق وارتفاع السعر وخسارة الفلاح وحرمان المستهلك، ولفت عفيف إلى أن سعر الحمضيات المنخفض في الأسواق يخلّف وراءه خسارة الفلاح بجدارة هذا العام وتمنّعه عن زراعة الحمضيات الأعوام المُقبلة وانصرافه لزراعة الفواكه الاستوائية التي لا قوة شرائية للمستهلك لضمها لمائدته، ففي الوقت الذي يجب علينا أن نزرع محاصيلنا المحلية ونصدّرها قمنا بزراعة الفواكه الاستوائية وتخبطنا بتسويقها محلياً وخارجياً وسنصل لاستيراد الحمضيات التي كانت أراضينا تعجّ بها لاحقاً، ولخّص الخبير التنموي المشكلة باعتماد الحكومة اليوم على الاستيراد بدلاً من الإنتاج المعتمد على حاجة الأسواق الخارجية والمحلية.
شمّاعة العقوبات
عفيف انتقد السياسة التسعيرية الفاشلة وشمّاعة العقوبات التي تضعها الحكومة في عجلات الإقلاع متسائلاً عن غياب هذه العقوبات عند دخول سيارات حديثة وموبايلات أو حتى الدخان الأجنبي، فلماذا نتحدث فقط عن العقوبات عندما نريد أن نصدّر من سورية، لافتاً إلى أهمية التوجه اليوم لتسهيل عمل المستثمرين لإنشاء معمل عصائر بدلاً من استيراد المكثفات بالدولار خاصّة وأننا نملك فائض للعصير في كل عام، وهذا يحتاج إلى قرار إيقاف استيراد مكثفات العصائر من الحمضيات السورية، مع السماح باستيراد مكثفات فواكه أخرى غير موجودة لدينا، وبهذا الشكل نحافظ على استمرارية الزراعة المحلية وتسويقها داخلياً وفي الأسواق الخارجية أي ما يسمى بتوازن العملية الإنتاجية ورفع الاقتصاد المحلي بدلاً من تكرار هدر المحاصيل بشكل دوري من الثوم إلى التفاح ومن ثم الحمضيات، لكن هذا يحتاج لرؤية جديدة وتخطيط واستمرارية في العمل بحيث يتم البدء بزراعة أصناف تسويقية جديدة، لاسيّما وأن أقل من 5% من الأصناف المحلية هي أصناف تصنيعية نتيجة سوء التخطيط الزراعي وعدم تحليل ودراسة واقع التربة والبحث الحقيقي عن مواصفات الثمرة التي لها عائد اقتصادي كبير.