ما يحدث في غزة حرب إبادة قانوناً
تقرير إخباري
يحاول الغرب عموماً، والولايات المتحدة خصوصاً، تبرير ما يرتكبه الجيش الصهيوني في غزة، من خلال الدعاية المزيّفة أوّلاً التي يصرّون على استدعائها في تبرير العنف الصهيوني غير المبرّر في قصف القطاع بأنه جاء ردّاً على جرائم مزعومة ارتكبها المقاومون الفلسطينيون في المستوطنات التي دخلوها خلال عملية “طوفان الأقصى”.
وبعد أن تزايدت الانتقادات الأممية للهجوم الوحشي الذي يشنّه الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر، عندما ذكر خبراء الأمم المتحدة في بيان مشترك مطلع تشرين الثاني الجاري أن الفلسطينيين في غزة معرّضون “لخطر الإبادة الجماعية”، وقبل ذلك في 28 تشرين الأول، استقال كريج مخيبر، مدير مكتب نيويورك للمفوضية السامية لحقوق الإنسان في نيويورك، وكتب في بيان استقالته قائلاً: “نشهد إبادة جماعية تتكشّف أمام أعيننا (في غزة) ويبدو أن المنظمة التي نخدمها عاجزة عن إيقافها”، بدأنا نلاحظ ميلاً غربياً خجولاً لتنبيه “إسرائيل” حول عدد القتلى الهائل الذي ينتج عن قصف القطاع وتدميره على رؤوس ساكنيه، ولكن دون تثبيت موقف من ذلك كما حدث للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي تراجع عن نقده للكيان وعاد لتبرير جرائمه.
وأيّاً يكن من تبريرات واتهامات تصدر في هذا المجال، فإن الإبادة الجماعية، وفقاً للاتفاقية الخاصة بهذه القضية التي دخلت حيّز التنفيذ في عام 1951 وصدّقت عليها 153 دولة، تعني “أيّاً من الأفعال المرتكبة بقصد تدمير جماعة قومية أو عرقية أو دينية، كلياً أو جزئياً”، وتتضمّن قتل أعضاء المجموعة، والتسبّب في ضرر جسدي أو عقلي خطير لأعضاء المجموعة، وتعمّد الإضرار بالأوضاع المعيشية للجماعة بهدف تدميرها الفعلي كلياً أو جزئياً، وفرض تدابير تهدف إلى منع الولادات داخل المجموعة، ونقل أطفال المجموعة قسراً إلى مجموعة أخرى.
ومن الغريب أن جميع الأمور التي وردت في الاتفاقية تنطبق كليّاً أو جزئياً على ما يحدث في غزة، حيث أعلنت “إسرائيل” أنها تريد تهجير سكان القطاع قسرياً عن ديارهم ومارست ذلك على الأرض، فلماذا يستمرّ الغرب في التغطية على هذه الجرائم، ولماذا يتم منح الكيان مهلاً إضافية لإكمال حرب الإبادة التي يشنّها على القطاع المتعرّض للإبادة أصلاً بفعل الحصار الصهيوني.
الجواب هنا بمنتهى البساطة أن السكوت الأولي على ممارسات الكيان الصهيوني بحق أهالي غزة، سيبرّر لاحقاً السكوت الحالي، وأن “إسرائيل” فوق القانون، وما ينطبق على العالم لا ينطبق عليها.
ولذلك يُرجع بعض الخبراء صعوبة الإقرار بوقوع “إبادة جماعية” في قطاع غزة إلى أن التعريف القانوني للإبادة الجماعية المعتمد في عام 1948 يتطلّب وجود نيّة مسبّقة لدى الفاعل، وهذا ما يتم اللعب عليه عندما يتحدّثون عن مبدأ رد الفعل، أي أن العدوان الصهيوني جاء ردّاً على عملية “طوفان الأقصى”، ولم يكن فعلاً ابتدائياً بعد القفز طبعاً فوق الحقيقة الأساسية وهي أن الشعب الفلسطيني يرزح تحت الاحتلال والقمع والمجازر والإبادة الصهيونية منذ 75 عاماً.
غير أن الأستاذة في جامعة نيويورك فيكتوريا سانفورد، حسمت هذه المسألة وشبّهت ما يحدث في غزة بقتل أو اختفاء أكثر من 200000 من المايا في غواتيمالا بين عامي 1960 – 1996، مشيرة إلى أن المايا والفلسطينيين تعرّضوا لأعمال الإبادة الجماعية، أي أن هذا العمل فعل مستمر منذ عشرات السنين وليس وليد اللحظة التي تمّ فيها الردّ على العملية الأولى، بينما راوغ متخصّص آخر في مجال “الإبادة الجماعية الكمبودية”، وهو الأكاديمي بن كيرنان، بأن “القصف الإسرائيلي الانتقامي لغزة، مهما كان عشوائياً، وهجماتها البرية الحالية، على الرغم من الخسائر المدنية العديدة التي تسبّبها بين السكان الفلسطينيين في غزة، لا تفي بالعتبة العالية جداً المطلوبة للوفاء بالتعريف القانوني للإبادة الجماعية”.
إذن هناك جهد غربي واضح لمنع تصنيف ما يقوم به الصهاينة في غزة على أنه حرب إبادة، مع العلم أن حروب الإبادة التي تم الاعتراف بها رسمياً في العصر الحديث لا تمثّل إلا جزءاً بسيطاً مما يتم ارتكابه على الأرض الآن.
طلال ياسر الزعبي