العنصرية وفوضى المجتمعات الغربية
هناء شروف
ربما يكون الفصل العنصري كسياسة رسمية قد انتهى في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين، لكن العنصرية النظامية لا تزال تجتاح المجتمع الأمريكي حتى يومنا هذا. قد تكون العنصرية “مرضاً أميركياً” لكنها لا تقتصر على الولايات المتحدة، بل إنها تصيب الغرب برمته.
يصادف هذا العام الذكرى السنوية العاشرة لحركة “حياة السود مهمة”. بدأت الحركة وهي حركة اجتماعية دولية في الولايات المتحدة، عام 2013 وهي مكرسة لمحاربة العنصرية والعنف ضد السود خاصة في شكل وحشية الشرطة.
يشير اسمها إلى إدانة عمليات القتل غير العادلة للسود على يد الشرطة -السود هم أكثر عرضة للقتل على يد الشرطة من البيض في الولايات المتحدة- ومطالبة المجتمع بتقدير حياة السود وإنسانيتهم بنفس قدر الأشخاص البيض. تأسست حركة “حياة السود مهمة” في عام 2013 من قبل ثلاثة من منظمي المجتمع السود بعد تبرئة جورج زيمرمان وهو رجل من أصل ألماني من تهم تتعلق بإطلاق النار على ترايفون مارتن وهو مراهق أسود أعزل في فلوريدا في شباط 2012.
رغم أن “حياة السود مهمة” أصبحت الآن شبكة عالمية إلا أن الناس يشعرون بخيبة أمل، لأن الحركة لم تتمكن من تحسين الظروف الاجتماعية للسود بشكل كبير، حيث لا يزال “المرض الأمريكي” يصيب المجتمع. ولم تأت مناشداتها للحكومات بمعاقبة مرتكبي أعمال العنف وحماية حياة وممتلكات الأقليات العرقية وخاصة السود بالنتائج المرجوة.
أظهر استطلاع أجري في وقت سابق من هذا العام أن عدد المواطنين الأمريكيين الذين يدعمون حركة “حياة السود مهمة” اليوم أقل مما كان عليه قبل بضع سنوات، لأن الاحتجاجات الحاشدة لا يمكنها القضاء على العنصرية المنهجية.
تعتبر الظروف المعيشية العامة للأقليات العرقية في الولايات المتحدة سيئة نسبياً، وفي أغلب الأحيان يُحرمون من فرص الترقي في سوق العمل، كما أن تمثيلهم ناقص في السياسة وهم أهداف لجرائم الكراهية وضحايا لوحشية الشرطة.
في الواقع وعلى الرغم من حركة “وقف تمويل الشرطة”، فإن وحشية الشرطة لا تزال بلا قيود في الولايات المتحدة. قُتل ما لا يقل عن 1176 شخصاً على أيدي ضباط الشرطة العام الماضي، وهو أكبر عدد منذ بدأ الخبراء في تتبع عنف الشرطة، حيث يمثل السود 24 بالمائة من الوفيات على الرغم من أنهم يشكلون 13 بالمائة فقط من إجمالي وفيات سكان الولايات المتحدة.
والأكثر إثارة للصدمة هو أن أقل من 0.3% من ضباط الشرطة المسؤولين عن الوفيات بين عامي 2013 و2022 تمت إدانتهم. ويشير هذا إلى أن الشرطة تحظى بدعم ضمني من السلطتين التشريعية والقضائية لاستخدام القوة، واللجوء إلى العنف دون داع خاصة ضد الأقليات العرقية باسم الحفاظ على “القانون والنظام”.
إن جرائم الكراهية على أساس العرق آخذة في الارتفاع الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً للنظام الاجتماعي في الغرب. علاوة على ذلك وبسبب الشعور العميق بالتمييز والاضطهاد، يحتج بعض المتطرفين من الأقليات العرقية ضد التيار الرئيسي في المجتمع باستخدام العنف والهجمات الإرهابية مما يزيد من التناقضات العرقية.
تزايد دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا منذ عام 2000، والأسوأ من ذلك أن الأحزاب المحافظة من يمين الوسط غيرت سياساتها فاجتذبت الأشخاص الذين يدعمون السياسات المتشددة المناهضة للهجرة للحصول على الأصوات أو الدعم، وقد أدى هذا إلى تحويل المشهد السياسي العام في أوروبا نحو اليمين.
في الولايات المتحدة منذ انتخاب دونالد ترامب رئيساً عام 2016 شهد الناس صعود ما يسميه الكثيرون “الحزب الترامبيليكاني” والنمو العنيف للعنصرية البيضاء.
تشتد التناقضات العنصرية في الغرب مع تفاقم “الفوضى الغربية”، و من غير المرجح أن يتم كبح وحشية الشرطة ضد الأقليات في المستقبل القريب. وتحت ذريعة الحفاظ على “القانون والنظام” قامت الحكومات بقمع الحركات المناهضة للعنصرية. ذات يوم حاولت الولايات المتحدة سحق حركة الحقوق المدنية من خلال برنامج مكافحة الاستخبارات التابع لمكتب التحقيقات الفيدرالي. واليوم تعمل على تعزيز مراقبة النشطاء والجماعات المناهضة للعنصرية من خلال قانون منع الإرهاب الداخلي لعام 2022.
ومن هنا فإن الولايات المتحدة التي تقود الغرب لا تتمتع بالأرضية الأخلاقية الرفيعة عندما يتعلق الأمر بقضايا حقوق الإنسان.