قراءة في كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فعالية”.. وصفات نحو حياة أفضل
ليندا تلي
يحوي كتاب “العادات السبع للناس الأكثر فعالية” بين دفّتيه دروساً فعّالة حول تغيير الشخصية للكاتب الأمريكي “ستيفن آر. كوفي” الذي وصفته مجلة “تايم” بأكثر الأشخاص تأثيراً في حياة الآخرين، حيث سخّر حياته لإثبات حقيقة أن كلّ شخص يمكنه أن يتحكم بمصيره عبر الاستعانة بالتوجيه العميق والمباشر في الوقت ذاته.
هـذا الكتاب يـقدّم سبع وجبات تغيّر نظرتك للحياة وتتغلب على المشكلات لكي تكون أكثر الناس سعادة، فهو مـشبع ومليء بالحيوية وقابل للتطبيق على حياتك الـشخصية والعملية، إضافة إلى أنه يفيض بالحكمة العلمية التي يحتاج إليها هـؤلاء الراغبون في التحكم بزمام أمورهم الحياتية وأعمالهم ومستقبلهم.
كنْ مبادراً
يؤكد كوفي في الخطوة الأولى بألا تكون حياتك عبارة عـن ردود أفعال، بل لا بدّ أن يكون عندك أهداف ونظرة مستقبلية، فكن مبادراً واصنع حياتك بنفسك.. لا تنتظر الظروف.. وتحكّم في تصرفاتك وأفعالك واصنع لنفسك التغيّر والقـوة والقـدرة على إنجاز طموحاتك وأحلامك، ولتكن عندك شجاعة ومثابرة وقـدرة على الإنجاز.
ابدأ والغاية في ذهنك
يتوجّب عليك في العادة الثانية وفق الكاتب أن تحدّد أهدافك في الحياة وطموحاتك مسبقاً، حيث لا بدّ أن تكون عندك رؤيا واضحة وبعـيدة المدى للمستقبل ورؤيا للأمام ولأهـدافك تشدك بقوة واستمرار، ولكي تحدّد أهدافك سجّل أفكارك في رسالة شخصية حـدّد أهـدافك وطموحاتك وقرّر مستقبلك الخاص، فأنت قائد نفسك.
ابدأ بالأهم قبل المهم
في الخطوة الثالثة يقترح كوفي أن تخطّط جيداً لأهداف حياتك ومـستقبلك، وتستغلّ وقتك وترتب أولوياتك ولا تضيّع وقتك بالتخطـيط اليومي أو الأسبوعي أو الـشهري، حـسب الأولويات حدّد الأولويات الكبيرة أولاً، وتفاعل مع الآخرين، ولا تحاول إرضاء كل الناس وقلّل من مشاهـدة التلفـزيون والتصفح للتليفون طول الوقت، حدّد وقتاً أكبر للعمل.
تفكير المكسب/ المكسب أو لا اتفاق
بينما تتلخّص العادة الرابعة بأنه في حال لم يتوصل الأفراد إلى حل تعاوني –حل مقبول من الطرفين يمكنهم حينها المتابعة للتوصل إلى شكل أعلى من المكسب/ المكسب، المكسب/ المكسب أو لا اتفاق، أي إذا لم نتوصل إلى حلّ يحقق فائدة لكلا الطرفين فإننا نتفق على ألا نتفق– أي لا اتفاق.
اسعَ من أجل الفهم أولاً ثم اسعَ من أجل أن يفهمك الآخرون
لكي تفهم الآخرين عليك في العادة الخامسة أن تبادر بالأسئلة لـتـفهـم جيّداً الأمور الخاصة بـك، معـظم الـناس لا ينصتون بـنيّة الـفهم بل ينصتون بنيّة الردّ، جميعـنا نحتاج إلى الإنصات أولاً، فالطـبيب لا يكتب لك الدواء إلا بعد سماع شكواك، فاسمع أولاً لكي تفهم مَن حولك وتتسع دائرة معارفك وتزيد قدرتك على التأثير في الأشخاص من حولك، فـإذا تمكّنت من فهم الآخرين فهماً عميقاً زاد تقديرك لهم وزاد شعـورك باحترامهم.
التكاتف “مبادئ التعاون الخلاق“
التكاتف ليس جزءاً وإنما هـو أهم محفّز وأهم عامل معـزّز للقوة، يعمل بروح الجماعة، فالعمل الجماعي وفق هذه العادة يزيد من إنتاجك بـشكل مضاعف وإيجابي وتناغـم المجمـوعـة يزيد من المحصلة الإنتاجية بـشكل كبـيـر.
اشحذ المنشار
عليك وفق هذه العادة أن تشحن طاقتك، ولا بدّ أن تأخذ قـسطاً من الراحة أثـناء عملك لـتنجز أسرع، وتعود قصة هذه العادة إلى شخص في الغابة يقطع شجرة.. فجاء شخص إليه وسأله مـنذ متى وأنت تـقطع الشجرة؟ قال له وهـو مرهق جداً منذ أربع ساعات، فقال له ولِمَ لم تأخذ قسطاً من الراحة لتستعيد نشاطك، فقال له لأنني مشغول جداً وأريد أن أنجز، ولو أنه أخذ قسطاً من الراحة سيحقـق أضعاف عمله.
العادات الأولى والثانية والثالثة ستحوّلك من شخص يعتمد على الآخرين إلى شخص يعتنق مبدأ الاعتماد بالتبادل، وهي “الانتصارات الشخصية” التي هي جوهر نمو الشخصية التي تسبق الانتصارات العامة، ولا يمكن قلب تلك العملية بأي حال من الأحوال إلا إذا تمكّنت من حصاد أرض قبل أن تزرعها، وبعد ذلك تصبح شخصاً يعتمد على ذاته بحق ويصبح لديك الأساس لتحقيق الاعتماد بالتبادل الفعّال، فسوف تصبح شخصاً يتمتّع بأساس الشخصية الذي من خلاله يمكنك العمل بفعالية لتحقيق انتصارات عامة مع فريق عمل ومن خلال التعاون والتواصل وهي العادات الرابعة والخامسة والسادسة، أما العادة السابعة فهي عادة التجدّد المنتظم والمتوازن للأبعاد الأربعة الأساسية للحياة، وهذه العادة تحيط بالعادات الأخرى وتجسّدها، وهي عادة التحسين المتواصل التي تخلق النمو اللولبي الصاعد الذي يحملنا معه إلى مستويات جديدة من فهم ومعايشة العادات الأخرى، حيث تحلق حولها من داخل طائرة أكثر تطوّراً وعلوّاً.
يُعتبر الكتاب منهجاً “من الداخل إلى الخارج” أي بمعنى أن تبدأ بنفسك أولاً، والأكثر أهمية أن تبدأ بالجزء الداخلي لذاتك بتصوراتك الذهنية وسماتك ودوافعك، كما يتمركز حول المبادئ وقائم على الشخصية ويهدف إلى تحقيق الفاعلية الشخصية والجماعية.
المبادئ التي تضمّنها الكتاب بأجزائه الأربعة موجودة في أعماق كل واحد منا، داخل وعينا وإحساسنا الفطري، ولكي نتمكن من إدراكها وتطويرها واستخدامها لمواجهة همومنا الداخلية، لا بدّ من أن نفكر بطريقة مخالفة، ونغيّر تصوّراتنا الذهنية إلى مستوى جديد وأعمق من مستويات “من الداخل إلى الخارج”.
فالمبادئ هي الفنار الذي نهتدي به لأنها قوانين الطبيعة التي لا يمكن خرقها، وهي ليست ممارسات، فالممارسة نشاط أو عمل محدّد، والتي نجحت في ظروف محدّدة لا تنجح بالضرورة في ظل ظروف أخرى تماماً مثل الوالدين اللذين يحاولان تنشئة طفلهما الثاني بالأسلوب نفسه الذي اتبعاه مع طفلهما الأول ولكنهما يفشلان.
واللافت فيما حوته صفحات الكتاب الأربعمائة والاثنان والعشرون تعريف الكاتب للحب بأنه قيمة تتحوّل إلى واقع من خلال الأفعال التي تدلّ عليه، والناس المبادرون يضعون المشاعر في مرتبة أدنى من القيم ومن ثم يتسنى لهم استعادة الحب مثل الأب الذي يكنّ لأولاده كل الحب ويضحّي من أجلهم، فالحب فعل ولكن الناس الانفعاليين يحوّلونه إلى مشاعر، وبعد ذلك تقودهم تلك المشاعر ويميل كتاب السيناريو في هوليود إلى دفعنا إلى تصديق أننا لسنا مسؤولين وأننا نتاج لمشاعرنا، ولكن سيناريوهات هوليوود لا تصف الواقع فلو حكمت مشاعرنا تصرّفاتنا فهذا نتيجة لتخلّينا عن مسؤوليتنا وزيادة قوة مشاعرنا لتدفعنا إلى هذا، أما الناس المبادرون فيجعلون الحب فعلاً والحبّ هو شيء تقوم به وتضحيات تبذلها والتخلي عن الأنانية، كما تفعل الأم التي تلد طفلاً إلى العالم.
وخلال مطالعتك لمحتويات الكتاب التي تشدّك بنهم تلامس روحك تجربة عايشها الكاتب يقول: ذات مرة كنت أدرّب مجموعة من العاملين في IBM في نيويورك وكانت مجموعة صغيرة قوامها نحو عشرين شخصاً، مرض أحدهم واتصل بزوجته في كاليفورنيا والتي عبّرت عن قلقها لأن مرضه يتطلّب علاجاً خاصاً، قرّر المسؤولون عن جلسة التدريب في الشركة اصطحابه إلى مستشفى ممتاز فيه أطباء متخصّصون بهذا المرض ولكنهم استشعروا من زوجته إحساسها بعدم الارتياح ورغبتها في عودته إلى بلدته، حيث يوجد طبيب يمكنه التعامل مع حالته، لذا قرروا اصطحابه إلى المنزل، ولأنهم شعروا بالقلق إزاء الوقت الذي قد يستغرقهم للوصول إلى المطار وانتظار طائرة تجارية قاموا بجلب طائرة مروحية لتصل به إلى المطار واستأجروا طائرة خاصة لنقله إلى كاليفورنيا، لا أدري كم كلفهم الأمر، ولكني أعتقد أنه آلاف الدولارات بيد أن الشركة تؤمن بكرامة الفرد، إنه المبدأ الذي تتبناه الشركة، وبالنسبة للحاضرين كان هذا مثالاً حياً على معتقدات الشركة ولم يمثل لهم مفاجأة ولكنه بهرني.
لقد أنارت أفكار الكاتب كوفي الحاصل على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة هارفارد ودكتوراه من جامعة بريغهام يونغ حيث كان يعمل أستاذاً للسلوك التنظيمي وإدارة الأعمال كما عمل كمدير للعلاقات بالجامعة ومساعد رئيسها واعتبرت أفكاره مفتاح النجاح لكلّ الناس الذين يسيرون في دروب الحياة لأنه محفّز للتفكير، لذا ينصح باقتنائه وقراءته.