اعتداءات تصدير الأزمة
علي اليوسف
لن تمحو همجية القصف الإسرائيلي النتائج الحقيقية لما حدث في 7 تشرين الأول، فالمعركة بدأت وانتهت في اليوم ذاته، وما جرى بعدها ليس إلا انتقاماً على شكل تدمير وقتل دون استرداد الهيبة الكاذبة التي انهارت من الساعات الأولى لعملية المقاومة البطولية. كما لن تمحو الهزيمة الارتدادات الداخلية على بنية الكيان الصهيوني، وتحديداً المستقبل السياسي لـ نتنياهو الذي شارف على الانتهاء بعد انخفاض شعبيته وشعبية حزبه وائتلافه الحكومي، وازدياد التململ في صفوف العديد من أعضاء الكنيست من حزب الليكود.
وأمام هذا الواقع الذي سيقلب الكيان رأساً على عقب، وقبل أن تضع الحرب أوزارها، تلجأ حكومة اليمين المتطرفة إلى تصدير أزمتها من خلال الاعتداء على سورية. قبل “الطوفان” كان الكيان الصهيوني يقوم بالاعتداء على سورية بهدف التشويش على عمليات الجيش العربي السوري، ورفع معنويات الإرهابيين الذين يدعمهم، لكن بعد القضاء على السواد الأعظم من الإرهابيين انتقل الكيان لضرب منشآت حيوية في سورية، والإعلان صراحةً عن مسؤولية “إسرائيل” عن هذه الاعتداءات. في ذلك الوقت كان التطور يشير إلى تحول خطير في سياق الحرب الكونية على سورية، إذ كانت تشير الاعتداءات الإسرائيلية إلى تطور جديد في حرب “الظل”، أو ما يُسمّى بـ “حرب بين الحروب”.
اليوم انتقل الكيان الصهيوني إلى ما يمكن تسميته “اعتداءات تصدير الأزمة”، أو “اعتداءات الاستدراج إلى الأزمة”. هذا التطور يشي بأن الكيان الإسرائيلي يريد استفزاز هدوء سورية الاستراتيجي، بحيث تصبح الدولة السورية في صميم الأهداف الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، وبالتالي يثير التساؤل عن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الاعتداءات الإسرائيلية!
لكن يدرك الجميع اليوم أن العدو الصهيوني يستغل المرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم، وأن نتنياهو يصدر أزمته مغتنماً الفرصة لرفع مستوى الخطر، بما يمكّن الكيان الإسرائيلي من إحداث نقلة مهمّة في الحفاظ على وجوده نتيجة الدعم الأمريكي، وغياب كلّ أشكال العقاب ضد ما تقوم به حكومة نتنياهو المتطرفة في غزة والضفة الغربية وكلّ المناطق الفلسطينية.
من هنا إن الاعتداءات الإسرائيلية تأتي في سياق استعداد نتنياهو للذهاب إلى حدّ كبير في خلط الأوراق، مستغلاً المرحلة المتبقية من إدارة بايدن لإحداث تحول تحسباً لأي خطوة قد تحدث تحت الضغط العالمي على الولايات المتحدة وحلفاء الكيان الصهيوني.
لكن لا يعتقد نتنياهو وحكومته المتطرفة أنهم قادرون على تجاوز الخطوط الحمراء، فالمنطقة تحكمها معادلات جيواستراتيجية أكبر من هستيريا وإفلاس نتنياهو، وأن الصبر السوري والحلفاء لا يستفز باعتداء هنا واعتداء هناك، كما أن القيادة السورية أوعى بكثير من أن يجرّها مجرم الحرب إلى ما يريده، وأن تكون طوق نجاة لـ نتنياهو، وغيره من باقي الإرهابيين الصهاينة، والأهم من كل ذلك أن السياسة السورية التي ترتكز على التحوط والابتعاد عن المغامرات غير المحسوبة هي ليست مستورداً لأزمات المجرمين.