88 % من المشروعات موِّلَت بمدخرات شخصية.. القطاع التجاري أكثر إقبالاً والزراعي “غير مرغوب”!
دمشق- ريم ربيع
رغم مساهمتها الحالية بأكثر من 62% من الناتج المحلي، وتشغيلها 57% من قوة العمل، إلا أن عقباتٍ كثيرة لا تزال تعيق تحقيق المشروعات الصغيرة والمتوسطة لدورها التنموي المفترض منها، بدءاً من التمويل للتسويق لتأمين الطاقة، وصولاً لضغوط التغيرات الاقتصادية من تضخم جامح وتذبذب بسعر الصرف، وغيرها من المعوقات التي حالت –وفقاً لمدير هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر- دون أخذ دورها التنموي المفترض، فلا تزال هناك فجوة كبيرة حتى تعطي المشروعات البعد المطلوب منها، كما يوجد ناتج محلي كامن أكبر بكثير من الموجود حالياً، علماً أن اعتماد الاقتصاد الأساسي كان عليها طيلة السنوات الماضية نتيجة ديناميكيتها، والتعداد الذي أنجزته الهيئة العام الماضي كشف عن 461 ألف مشروع، 65% منها مشاريع متناهية الصغر، و30% صغيرة، و4% فقط متوسطة، فيما أوضح اسمندر أن أكثر القطاعات إقبالاً هي التجارية، فهي ذات أرباح مضمونة، ومن السهل تسيير البضائع ودخول الأسواق، كما تعتمد على رأس المال العامل الذي يدور عدة مرات بالعام، وبالتالي لا يتأثر كثيراً بالتضخم والظروف الاقتصادية، بينما تتطلّب القطاعات الأخرى تكاليف أكبر ومخاطرها أعلى، فالإقبال على الزراعة والصناعة ليس قوياً، رغم المحفزات العالية للقطاع الزراعي.
وكشف اسمندر أن 88% من المشروعات اعتمدت تمويلياً على المدخرات الشخصية، أو المساعدات المادية أو اللجوء لوسطاء، فالعلاقة ما بين البنوك التقليدية وقطاع المشروعات ليست بالقوية، لأن معظم البنوك تتعامل معه على أنه غير جدير ائتمانياً، على اعتبار أن متطلباتها من ضمانات عقارية، وضمانات ذات قيم عالية غير محققة من قبل قطاع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، التي اعتادت على تأمين احتياجاتها للتمويل من مصادر غير مصرفية.
وأوضح اسمندر أن معالجة هذا الأمر تتمّ عبر زيادة المؤسسات التمويلية التي تناسب القطاع، فإما أن تقيم البنوك التقليدية وحدات متخصّصة بالتعامل مع المشروعات الصغيرة والمتوسطة، أو إنشاء جهات تمويلية متخصّصة تجيد العمل مع هذا القطاع، لأن له متطلبات وخصائص تختلف عن غيرها، مضيفاً أنه يوجد حالياً 4 مؤسسات تتعامل مع التمويل الأصغر، لكنها لا تغطي أكثر من 5-6% من احتياج السوق السورية، وبالتالي هناك فجوة تمويلية كبيرة ردمها يتطلّب زيادة المحافظ الإقراضية للمؤسسات تكون “مفصّلة تفصيلاً للقطاع” لمواءمته من حيث الضمانات ومدة السماح وطريقة التقسيط، وإيجاد برامج تستوعب نقاط الضعف بالقطاع إقراضياً، والاستفادة من سمعة المشروعات الصغيرة بالتزامها بسداد القروض وانعدام نسب التعثر تقريباً.
أما بالنسبة لمؤسّسة مخاطر القروض التي لم يمضِ وقت طويل على إطلاقها، فقد رأى اسمندر أنها بحاجة عام كامل لاتضاح قدرتها بالتأثير على السوق، فهي لم تستكمل منهجية عملها بالكامل بعد، مع ذلك فالتعويل كبير على التعاون معها بالتزامن مع العمل على استكمال الخطوات المطلوبة من المصارف لتحسين وتنظيم المشروعات.
زيادة رأس المال 200%
من جهة أخرى، تواجه بعض المشروعات خطر التوقف والإغلاق نتيجة تسارع معدلات التضخم، وعدم قدرتها على ضبط تكاليفها وأرباحها، فيما يترافق التخطيط لأية مشروع جديد بالتردّد والتخوف من عدم استقرار الأسعار، وتضاعف رأس المال عما كان عليه، فبحسب مدير الهيئة بلغت نسبة الزيادة برأس المال خلال عامين فقط 100-200% وسطياً، موضحاً تسجيل معدلات تضخم جامحة بالأعوام الأخيرة تؤثر على المشروعات والأداء الاقتصادي بشكل عام، والخطورة الأكبر أن المشروعات تفقد القدرة على ضبط عوامل التكلفة، وتظهر لديها مشكلات بالتسعير ودراسة الربحية الاقتصادية، وإحجام المستهلكين عن شراء المنتجات.
وأضاف اسمندر أن بعض المشروعات تكيّفت مع هذه الظاهرة عبر أدوات خاصة، كاعتماد طريقة خاصة بالتسعير واحتساب التكاليف، والبعض الآخر ركز على منتجات يكون الطلب عليها غير مرن، فحتى لو ارتفعت أسعارها تبقى مباعة، والمنتجات الأخرى تبقى موسمية حين يزيد عليها الطلب، ورغم كلّ ما سبق ذكره إلا أن نسبة المشروعات التي توقفت لأسباب متعلقة بالأداء الاقتصادي وعدم تحقيق أرباح لا تتجاوز 3.5% فقط وفقاً للتعداد العام للمنشآت، وهي نسبة أقل مما تسبّبت به “كورونا” من إغلاقات وصلت إلى نسبة 12%.
وبيّن مدير الهيئة أن تغيّر سعر الصرف هو انعكاس للتضخم أيضاً، وأثره أكبر للمنتجات الموجهة للسوق المحلية، أما المنتجات التي لها نافذة للتسويق الخارجي فلم تتأثر به، وأكثر المنتجات تصديراً هي النسيجية ثم الغذائية والشرقيات.