حوار مع الشاعر رضوان هلال فلاحة… أنا والقصيدة لا يمارس أي منا سطوته على الآخر
هويدا محمد مصطفى
حين تقرأ قصائده يأخذك لعالم الدهشة والانبهار فكل قصيدة فيها رسالة عميقة المعنى .. له بصمته الخاصة بعالم الأدب والنقد صدر له في الشعر/جرار الخوف ومطر ناعم /دون عرشك والماء / إنه الشاعر رضوان هلال فلاحة أخذنا إلى عالمة الإبداعي من خلال هذا الحوار.
- رضوان هلال فلاحة شاعر متفرد بلغته الخاصة، فكيف تقدم نفسك للقارئ؟
ما أكتبه هو ما يُقدمني للقارئ والكاتب لا يختار قُرّاءه و لا يفرض نفسه على قُرّائه لذا نحن نلتقي حيث تأتي مصادفة الإرسال والتلقي بما يُحقّق معادلة التواصل بمصداق ذهنيّة ووجدان تجاذبهما ولعلّ هذه الجدليّة بين المُرسل بصفته كاتباً والمتلقي بصفته قارئاً إحدى أهم مفارقات المشهد الثقافي ومشكلاته لجهة انعدام تحقُّق شرطيّة معادلة التواصل السابقة الذكر لأنّ الكاتب يفترض نجوميته وتفوقه المُلزمين لجماهيرية استيهامية لم تأتِ على تحشداتها العفوية منذ آخر شاعر غادرنا وما يزال أثره باقياً ومع غيابه الفيزيولوجي إلا أنّه قادر على تحقيق جماهيرية لا يستطيع تحقيقها الكثير إذا لم أقل الغالبية العظمى مِن شعرائنا وأدبائنا على الرغم مِن وسم أنفسهم بعلامات فارقة فرضية وافتراضية لا تعدو في مساحة واقعيتها منبرية بين مساحة الفراغ والصورة إلى تهويمات إعلامية كفائض قيمة استنسابي، وعليه وعوداً على ذي بدء فأنا أمام القارئ؛ أي أمام ذواتي المُتشظية برحلات بحثها المعرفي والوجداني في الآخر وفي الأشياء بكلِّ ما يُصاحب ذلك البحث مِن قلق وحُمّى وشغف وتوهج وانكسار فأنا أمام القارئ قارئ لذاتي، وأناي التي تنمو بتجربتها إيماناً بالفكرة تجتهد على تحقيقها سلوكاً فاعلاً مُوثِّراً في الأنا الجمعيّة ومتأثراً بالضرورة معها.
- إلى أي نوع من الشعر تميل، وكيف تنظر للحداثة؟
أميل إلى الشعر الصادق بتجربته الشعورية والفطري منه بحكم تجليه موهبة لا بتداعيات صناعته كلعبة لغويّة وعليه فالشعريّة علميّة الأدوات لكنّها روحيّة ووجدانيّة الانبلاج وأرى أنّ الجمال ماهية إرساليّته وفلسفته الحاملة بالضرورة لرسالته القيمية فثمة شعر يعلق في الوجدان ويبقى خالداً في الوجدان الجمعي، أما عن الحداثة فقد بلغ الحديث عن الحداثة الاستجرار غير الفاعل في الحركة الشعريّة والأدبية ولعلّ مرد ذلك إلى نمطيّة التناول التي تقف على ظهورات الشعريّة المنسوبة للحداثة إضافة إلى مناكفات المفاضلات الأجناسيّة المُفتقرة لتجربتها المعرفيّة والثقافية المُتفقهة بجوهر الثابت والمُتغير أبستمولوجيّاً فأخرجته عن جدل الأصالة و الحداثة على ما بينهما مِن خيميائية مفتوحة على الأخيرة بقدر تجذرها بالأولى وذلك مَكمن هُويّة الوعيِّ المعرفي.
- ما الرابط بين مجموعاتك الشعرية، وهل وجدت نفسك بتلك المجموعات؟
أما ذاتي فلمّا تزل في رحلة تقصيها المعرفي وسبر أغوار ممكنها اللامتناهي وهي الرابط بين مجموعاتي الشعريّة وأرى أنّ ذلك يتجاوز حدود المنجز بالكم إلى النوع الذي يسعى إلى الأثر الفاعل.
- متى تكتب وهل هناك طقوس بولادة قصيدة؟
تعصف بي القصيدة فأكتبها ومحرضات ذلك العصف أيما مشهد يلامس خلجات وجداني و خاصة إذا تساوق أو تقاطع مع تأمّلاتي الفكرية.. فربّ قصيدة توقظني من نومي.. وأخرى تُرافقني أنّى حللت، وربما تذهب بي حيث عوالم زمكانيّة لا تعرفها إلا هي، ولعلّ قصائدَ جمّة في سكون يأذن بالعصف إلا أنّها تبقى حبيسة ثورتها لتُعاودني بالانفجار دفعة واحدة فأنا والقصيدة في جدل لا يُمارس فيه أيٌّ منا سطوته على الآخر
- النقد وتأثيراته على النص الشعري برأيك هل نجده في الساحة الأدبية؟
تلك العلاقة التفاعلية بين النص الشعري أو الأدبي والنقد غائبة بالمعنى الموازي لحركة أدبيّة صحيِّة أي غير مشوبة بعوامل الرداءة وتعويمها بقصد أو بغير قصد، ولقد كتبت العديد من المقالات النقدية التي تتناولها بالوصف والتوصيف الاستقرائي والاستنتاجي، ونستطيع أن نعيد غياب التأثير النقدي إلى مساحة الاستهلاك والسلعية التي تفرض حضورها الذي يشجع التداعي الاستسهالي والعبثي ويكرس مفاعيل الرداءة، وعليه فإنْ كُنّا نبحث عن مشروع أدبي وثقافي مبدع فثمة غائية قيمية عليا على الأديب أن ينطلق منها ويجتهد على استكمال عناصرها المُفعلة لتطوريّة تحقق تلك القيميّة وهذا يعني السعي إلى حضور نقدي علمي ومعرفي مبدع بالضرورة يُكرّس المراجعات النقديّة ودورها في إنضاج عمليات الإبداع الكتابي.
- ماذا كتبت بفلسطين وغزة وهل الواقع حاضر في شعرك مقطع شعري؟
فلسطين تكتبني بكلِّ تجلياتي الإنسانيّة، وواقع اليوم هو التحول المنظور بوعي الأنموذج الذي أصرّ رغم كل الانحرافات ومحاولات العدو الصهيوني البائسة في كيّ ذلك الوعي لنكون في ارتباطنا العضوي الفاعل فكراً وثقافةً ونهجاً بسيرورة نضال منذ خمسة وسبعين عاماً وهي تشكلُّ وجداننا الحيِّ.. همُ الأحياءُ بارتقائِهم الأعظمُ.. /ودونَهم دُعاة الإباء/ بِاسمهم كلُّ المُقامرين على الدّماء
أعلنوا النفير /لكنّها أكبادٌ تشحّمت كذباً فما لها إلّا الزفير / لا.. ليس تقوى على رفع الحرير/ ثمّ قالوا: أهلوكَ الأقربُ فالأقربُ فالأقربُ / ثمّ قالوا: ألا إنّ الله أقرب .. إلى الله ندعو: /اللهم فانصر.. اللهم.. اللهم.. اللهم /بِاسمهم قد وصلتم إلى ربِّكم وجِنانه وما شاء فحلُكم والخصيُّ والدّعي.. / كُفّوا عنهم الصلوات
فكم سيفاً بِاسم الله غدرتم / قد تجلّى الله فيهم سيفاً وترساً/ ألا و إن نجا منكم نَضْلٌ / خلّوا بينَه وبين الخلود / ربما يشاء أن يُسجَّل في مواكبهم القدسيّةِ خندقاً/ على أشلائهم جمعوا ما كان فيكم مُمَزّقاً / واعتلى على جباهِ الترابِ ما علا السما… علمٌ.
- نلاحظ في الفترة الأخيرة وخصوصاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي منح شهادات الدكتوراه والتكريم بألقاب متعددة … ماذا تقول في ذلك؟
حدى انعكاسات الرداءة وأدواتها في تمييع القيمة، وخلق فوضى تسليعيّة تتجاوز حتى مُدّة الصلاحيّة التي تفرضها عوامل الاستهلاك إلى خواء تسطيحي لكلِّ معاني الإنتاج الإبداعي الإنساني ما يعني قطع أواصر الأجيال مع الجذور الحضارية واغتيال احتمالات البناء عليها، ومِن المؤسف أنّ تلك “اللصاقات الفايس بوكية” جرّت بعض الأسماء التي يُعوَّل على تجربتها الإبداعيّة الكتابيّة والفنيّة إلى منزلقاتها فإنْ كان مُبرّراً بالحدِّ الأدنى للمبتدئين التواقين للشّهرة الوقوع في هذا المنزلق وإنْ كان له تعليلاته السايكولوجية للمهوسيين بالشّهرة – وقد كتبت منذ سنوات مادّة نقدية بعنوان” هوس الشهرة وتهافت الكتابة” تناولت فيها ذات المسألة وغيرها- فذلك الانزلاق الآثم ليس مُبرّراً لمَن قلت عنهم أنّه يُعوّل على تجربتهم، وهنا يجب التنويه لدور الإعلام في بحثه وتقصيه عن الإبداع الذي يستحق في ضوء الاستحقاقات القيميّة الكبرى المنوطة به و التي يُفترض به الوقوف عليها
- ما الرسالة التي تريد إيصالها للعالم من خلال قصائدك ؟
رسالتي مرتبطة بمدى تمثلي للقيم العليا ذلك التمثل الذي يُملي على قَصديّتي الشعرية وقفاتها الدائمة بالمراجعة النقديّة والمُعاينة و المعايرة و التقييم الذاتي مِمّا يُسوِّغ لها ذلك الحضور الحامل لرسالة الهوية هويتي الحضارية.. هويتي الثقافية المقاومة المناضلة بإرساليّتها الجمالية والمعرفية
- ما هي مشاريعك المستقبلية؟
ثمّة مجموعة مِن الكتب لعلها ترى النور قريباً في الشعر والنقد..