طلاب جامعة حلب يوثقون طوفان الأقصى فنياً
حلب-غالية خوجة
كانت أشجار ساحة جامعة حلب تشعر معنا بالحزن على الشعب العربي الفلسطيني الذي تتواصل عليه جرائم الاحتلال الصهيوني، تماماً، كما حزنت أثناء الحرب الإرهابية على سوريتنا الحبيبة، لكنها ظلت متجذرة في الأرض، رافعةً فروعها لتصافح السماء المشبعة بغيوم باردة تتخللها أشعة شمس حلب الرقيقة، الممتدة في كل مكان، ومنها كلية الحقوق، والقاعة التي أقيم فيها معرض طوفان الأقصى بتنظيم من فرع جامعة حلب للاتحاد الوطني لطلبة سورية، ومشاركة عدة فصائل فلسطينية، ومنظمات شبابية سورية وفلسطينية.
تنوعت الأعمال الفنية في المعرض الذي امتد لثلاثة أيام بين شاشة تعرض فيلمين وثائقيين أحدهما مقاوم، وثانيهما إنساني، و90 صورة توثيقية للمحورين المقاوم والإنساني، ولوحتين تشكيليتين لطالب كلية الفنون الجميلة الفنان وسام عبد الغني تعبّران عن الملحمة الفلسطينية.
أهداف واقعية وفنيات توثيقية
وعن المعرض وأهدافه، أجابنا المهندس شهاب بربار مسؤول رابطة فلسطين الطلابية: أهدافه كثيرة، منها رفع سوية الوعي لدى الطالب السوري، وتوثيق جرائم الاحتلال وفضحها، إبراز إنجازات المقاومة التي قهرت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وذلك على عدة أصعدة منها الصعيد الزمني ـ توقيت المعركة، والأمني، والعسكري، والتكتيكي، والاستخباراتي، والتكنولوجي، والإعلامي، وتوحيد محور المقاومة مع الساحات، وهذا ما شاهده 8000 زائر على مدى يومين، من خلال أعمال هذا المعرض الفوتوغرافي الذي توزعت لوحاته إلى 30 صورة مقاومة، و60 صورة إنسانية من الواقع الذي بدأ مع الطوفان في السابع من تشرين الأول الماضي، و11 سردية من القصص والحكايات الواقعية التوثيقية يرويها 11 مشارك كل يوم، أي بمجموع 33 حكاية وقصة تمتد مع مدة المعرض، منها ذكر أسباب المعركة، الإسم والتوقيت، عدد الأطفال والنساء والرضع الذين استشهدوا وحكاياتهم، استهداف الأبنية السكنية والمشافي وشبكات المياه ومراكز الإيواء والمؤسسات التعليمية والصحية والبنية التحتية، وتفضيل التجذّر في الأرض حتى الشهادة على النزوح.
طوْفان فلسطين كلها
وبدوره، قال عمرو الغاوي مشرف المعرض: الأعمال مساهمة من الطلاب واتحادهم في التعبير عن طوفان الأقصى الذي هو طوفان فلسطين كلها وليس غزة فقط، وهذه الأعمال إضاءة توثيقية لما يجري في الواقع منذ النكبة من جرائم صهيونية تجاه الشعب الفلسطيني وحقه في وطنه، ومقاومته المستبسلة المنتصرة بالتحرير عاجلاً أو آجلاً.
وأخبرتنا زينب خير بك منفذ عام الطلبة، الحزب القومي الاجتماعي، عن الطلاب القادمين للمعرض، ومشاعرهم الإنسانية التي جعلت الغالبية تبكي من هذه المشاهد التوثيقية، والآلام المتواصلة لهذا العنف الإجرامي المتواصل والذي عانى منه الشعب العربي السوري أيضا خلال العشرية الإرهابية.
وبدوره، قال لنا محمد حميّد من منظمة الشبيبة الفلسطينية سنة 3 أدب إنكليزي، وهو أحد الساردين الأحد عشر لليوم الثاني: هذه الصور توثق لحالات النزوح الكبيرة بعد القصف الوحشي القاتل، ولما يقارب 14800 شهيد، أغلبهم من الأطفال والنساء، إضافة لتوثيق استهداف الصحافيين والمكاتب الإعلامية بما يقارب 63 إعلامياً شهيداً، أي ما يعادل 4% من القطاع الإعلامي.
وتابع: وهذا يأتي في سياق تغييب الرواية الفلسطينية، ومحاولة محوها من الذاكرة، واستبدالها بالبروباغندا الأمريكية والاحتلالية الصهيونية، لكن ذلك سيظل مستحيلاً.
صوت الشهداء من الشهباء
وبينما صوت الفيلم يشكّل خلفية المعرض مع صوت الشهداء الصامت في الصور، الناطق بين الأكفان البيضاء والدماء الأرجوانية والبقايا الرمادية بعد القذائف الصهيونية المعادية التي أحرقت البشر والحجر، تمنيت لو شاهدت فيلماً ثالثاً خلفيته صوت شعري عن فلسطين لمحمود درويش، أو نزار قباني، مثلاً، أو ماذا لو أننا استمعنا لبعض المواهب الأدبية الطلابية بين قصة وخاطرة تساهم بكلماتها النابضة عن هذا الطوفان التحريري؟
وبينما الأعمال مستمرة في توثيقها المقاوم واقعياً وفنياً، يلاحظ الزائر كيف تتفتّح ملامح الأمل من وجوه الجيل الشاب المشارك والزائر للمعرض، وكيف يقف البعض أمام الشاشة ليتابع الأحداث، والبعض الآخر يتأمل اللوحات بنبضات تتوحد مع آلام شخصيات الصور وشخصيات الفيلم لا سيما وأن الصوت المنبثّ من الشاشة يقول: “للموت والأطفال في غزة عناق طويل، ما عاد الموت يخيفهم”.