دراساتصحيفة البعث

“تركوهم للغرق”.. 2023 العام الأكثر دموية للهجرة

سمر سامي السمارة

طالبت منظمة أطباء بلا حدود الدول الأوروبية بوقف السياسات والممارسات الخطيرة التي جعلت عام 2023 بالفعل العام الأكثر دموية للهجرة في وسط البحر الأبيض المتوسط منذ عام 2017.

ونشرت المنظمة تقريراً بعنوان “لم يأت أحد لإنقاذنا” ضمنته بيانات طبية وتشغيلية بالإضافة إلى شهادات الأشخاص الذين تم إنقاذهم في عرض البحر، مضيفة أنها تدير أنشطة البحث والإنقاذ منذ عام 2015 كرد مباشر على سياسات الاتحاد الأوروبي المتمثلة في فك الارتباط وعدم المساعدة على طول هذا الجزء من البحر.  وأفادت المنظمة أنها استهلت عملياتها مع السفينة جيو بارنتس في أيار 2021، ومنذ ذلك الحين أنقذت حياة ما لا يقل عن 9411 شخصاً حتى شهر أيلول الماضي.

وبحسب ممثل منظمة أطباء بلا حدود خوان ماتياس جيل، عالجت فرق المنظمة على مدى أكثر من عامين على متن سفينة البحث والإنقاذ جيو بارنتس، الآثار الصحية الجسدية والعقلية لسياسات الهجرة الأوروبي، فقد عكست جروح المرضى وقصصهم حجم العنف الذي تعرضوا له في بلدانهم الأصلية وخلال رحلتهم، بما في ذلك في ليبيا وتونس.

وأفاد جيل أنه تم توثيق العديد من الحالات التي فشلت فيها إيطاليا ومالطا في تنسيق عمليات الإنقاذ بشكل قانوني وضمان تقديم المساعدة لأولئك المعرضين لخطر الغرق، الأمر الذي أدى إلى تأخير عمليات الإنقاذ أو عدم الإنقاذ على الإطلاق.

وبحسب التقرير، فإنه من بين 3,660 استشارة طبية أُجريت على متن السفينة هذا العام، كان معظم المرضى يعانون من حالات مرتبطة مباشرة بالرحلات الطويلة في البحر، لكن المنظمة عاينت أيضاً 273 شخصاً متضررين من أعمال عنف خطيرة، مع ندبات ناجمة عن طلقات نارية وأطراف مكسورة ومبتورة وندوب وكدمات ناجمة عن الضرب العنيف المتكرر بالقضبان المعدنية والكابلات الكهربائية ومضارب البيسبول والمناجل والسكاكين.

وبالإضافة إلى الإصابات الجسدية، تشمل هذه الحالات  الاضطرابات العقلية والعواقب المباشرة للعنف الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس مثل الأمراض المنقولة جنسياً، والحمل غير المرغوب فيه، من بين أمور أخرى.

وأضاف التقرير، أن فرق المنظمة شهدت بشكل مباشر الطرق المتعددة التي انسحبت بها دول الاتحاد الأوروبي تدريجياً من التزاماتها الخاصة بالبحث والإنقاذ، ومكّنت في الوقت نفسه دولاً ثالثة من إعادة الأشخاص قسراً إلى أماكن غير آمنة مثل ليبيا، حيث يوجد العديد من المهاجرين إما محاصرين في ظروف غير إنسانية، أو ليس أمامهم خيار سوى النزول إلى البحر بسبب عدم وجود خيارات آمنة وقانونية.

وأشارت المنظمة إلى أن أوروبا منحت الحكومة الليبية ملايين اليوروات، ومنذ عام 2017، اعترض خفر السواحل الليبي الذي دربه الاتحاد الأوروبي أكثر من 120 ألف شخص في البحر بواسطة سفن تبرع بها الاتحاد الأوروبي، وتم إعادتهم بشكل غير قانوني إلى ليبيا، وأن تونس تجاوزت ليبيا باعتبارها نقطة الانطلاق الرئيسية للمهاجرين، حيث بلغ عدد الوافدين إليها ما يقرب من خمسة أضعاف العدد في العام الماضي، ورداً على ذلك، قام الاتحاد بتوسيع إستراتيجيته في ليبيا، حيث قدم ملايين اليوروات للحد من الهجرة غير الشرعية من خلال الحوافز والدورات التدريبية والدعم المادي لزيادة عمليات الاعتراض في البحر.

وأكدت المنظمة، أنه إلى جانب تمكين عمليات الاعتراض، أهملت  حكومات الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر وأعاقت جهود البحث والإنقاذ، ففي عامي 2022 و2023، وثقت المنظمة العديد من الحالات التي فشلت فيها إيطاليا ومالطا في تنسيق عمليات الإنقاذ بشكل قانوني وضمان المساعدة لأولئك المعرضين لخطر الغرق، ما أدى إلى تأخير عمليات الإنقاذ أو عدم الإنقاذ على الإطلاق.

في حين أن المنظمة والمجموعات الأخرى واجهت مضايقات متكررة من قبل السلطات، بما في ذلك التهم الجنائية وعمليات التفتيش والاحتجاز المطول، يوضح  التقرير أن تشرين الثاني 2022 يمثل بداية مرحلة جديدة من التصعيد في عرقلة عمليات البحث التي تقودها المنظمات غير الحكومية، وأنشطة الإنقاذ  بقيادة الحكومة الإيطالية الجديدة.

ووفقاً للتقرير فإن السلطات الإيطالية منعت سفينة جيو بارنتس وسفينتين أخريين للبحث والإنقاذ من التوقف في مياهها الإقليمية، وفي النهاية سهلت فقط نزول أولئك الذين يعتبرون الأكثر عرضة للخطر، حيث استمر الإنزال “الانتقائي” لمدة ثلاثة أيام، وفي النهاية، بعد تغطية إعلامية مكثفة، وضغوط سياسية، وتدخل المتخصصين الطبيين على متن سفن الإنقاذ، تمكن جميع الناجين في النهاية من النزول في إيطاليا.

وفي كانون الثاني الماضي، سنت الحكومة الإيطالية مجموعة جديدة من القواعد التي تنطبق حصرياً على سفن الإنقاذ المدنية، والتي كان لها أثاراً ملموسة للغاية على وجود سفن المنظمات غير الحكومية في البحر وقدرتها على الإنقاذ.

وأكد جيل على أنه بينما تستهدف القواعد الإيطالية الجديدة المنظمات غير الحكومية، فإن الثمن الحقيقي يدفعه أولئك الذين يفرون عبر وسط البحر الأبيض المتوسط، والذين يُتركون دون مساعدة، متسائلاً كم عدد الوفيات الأخرى في وسط البحر الأبيض المتوسط التي ستنتظرها الدول الأوروبية قبل أن توقف نهجها العدائي وغير الإنساني؟.