من يتحكم ويؤثّر بـ “زّر” الضبط الاجتماعي في المؤسسات التعليمية وخارجها؟
من البديهيات أنه لا يوجد أي تنظيم في المجتمع دون ضوابط لسلوك الأفراد التي تحدد الأدوار الاجتماعية، والأوامر والنواهي، والمسموح والممنوع وغير ذلك من قواعد اجتماعية، ونظراً لكون المدرسة إحدى مؤسسات المجتمع المهمة والمؤثرة في تربية الأجيال من خلال الالتزام بالقوانين و التقاليد والقيم التي تفرضها على كل أفرادها وخاصة في مرحلة التعليم الثانوي التي تبدأ فيها مرحلة المراهقة، والتي تحتاج لنوع من السيطرة الاجتماعية، بحسب ما يقوله علماء الاجتماع، لتحقيق الهدف التربوي والتعليمي.
ومن يتابع حال مدارسنا والحوادث التي نسمعها بين الفينة والأخرى بخصوص مشكلات الطلبة مع أساتذتهم ومعلميهم، والعلاقة بينهما، يجد بأن هناك حاجة ماسة للضبط الاجتماعي من خلال معلمين مؤهلين يكونون قدوة حسنة للطلبة.
وبحسب نظرية التعلم في السلوك الأخلاقي التي تشير إلى أن “الطالب يتعلم السلوك الأخلاقي كأي خبرة تعليمية أخرى”، ثمة سؤال يمكن طرحه: ما العلاقة بين الضبط المدرسي والضبط الاجتماعي، وما جدوى الثواب والعقاب في المدارس؟
من واقع خبراتهم
يرى المعلم الخبير فايز الشهابي أن المدرسة وسيلة مهمة جداً لضبط السلوك وتوجيهه الوجهة الصحيحة التي يريدها المجتمع، وأن تطبيق مبدأ الثواب والعقاب في العملية التربوية يساعد على تحقيق هذه الغاية في تكوين شخصية التلاميذ والطلبة، إضافة إلى أهمية ذلك في زيادة التحصيل العلمي لدى الطلاب، عبر تحفيزهم بالتشجيع والثناء والمكافآت ولو كانت بسيطة، أو محاولة الثناء على المتفوقين منهم في موعد الاصطفاف الصباحي عبر الإذاعة المدرسية أو مجلات الحائط.
أما العقاب فهو الوسيلة الأخيرة التي تلجأ إليها الهيئة التدريسية كوسيلة لردع الطالب عندما يتجاوز القواعد والضوابط ويصبح مصدراً للفوضى في المدرسة ولإعادته إلى الوضع الطبيعي بين أقرانه.
ويوضح المعلم الشهابي أنه لا يقصد بالعقاب الضرب والشتم أو السب، وإنما استخدام الوسائل والطرق التربوية التي توضح للطالب أنه يخالف الأنظمة ويسيء إلى أقرانه ويهدر من وقتهم، مؤكداً أهمية دور المرشد النفسي والاجتماعي في معالجة هذا الوضع في مدارسنا، ولاسيما وأننا في حالة انفتاح تام ودون ضوابط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتلقى التلاميذ والطلبة كماً هائلاً من الأفكار والعادات الغريبة عن مجتمعنا.
تفهم الوضع الصحيح
إن أكثر أولياء الأمور يتفهمون قيمة العقاب الذي يوجه إلى أبنائهم على الأخطاء التي ينبغي أن يعاقبوا عليها، لأننا بذلك نساعدهم على تفهم الوضع الصحيح والموقف السليم للتعامل مع الآخرين، فالمدرسة فيها قيم تربوية عظيمة بالإضافة إلى القيم التعليمية والتثقيفية، وذلك بحسب قول الأخصائية الاجتماعية هدى المير التي أشارت إلى ما يشعر به الطالب من ظلم في بداية العقوبة، لكن فيما بعد يشعر بخطئه واستحقاقه للعقاب، ولولا هذا الشعور لكان تمادى في الخطأ وأحدث ضجة في المدرسة مع زملائه، لذلك عملية الضبط والتلويح بالعقاب ضرورية، وعلى الأسرة أن تكون متفهمة ومساعدة بهذا الخصوص.
المعلم القدوة
وتتفق مع ما سبق مدرّسة الرياضيات الآنسة سها مؤكدة أن التربية بالقدوة والموعظة الحسنة هي أفضل الأساليب التربوية التي يمكن أن تتبعها المدرسة تحقيقاً لأهدافها في الضبط الاجتماعي. وبرأيها، فإن أهم صفات المعلم القدوة هي الفكر الناضج والسلوك القويم، والقول والفعل، والمسؤولية، فضلاً عن تمسكه داخل الصف بالقيم الاجتماعية والأخلاقية، فحينما يحترم روح النظام ويطبق القانون فهو إنما يحقق في طلابه الالتزام الواعي بمفهوم الضبط الاجتماعي، فشخصية المعلم لها أثر عظيم في عقول الطلاب ونفوسهم إذا يتأثرون بمظهره وشكله وحركاته وسكناته وألفاظه التي تصدر عنه وسلوكه الذي يبدر منه.
الفكر التربوي
وعن إرساء قواعد النظام والضبط بين الطلاب، بيّن الموجّه التربوي الخبير سليمان القنطار أن التربية في مجتمعنا تنهض برسالة الضابط الاجتماعي من خلال ترسيخ الأخلاق وغرس مبادئ الطاعة وتكوين الضمير الذي يوجه سلوك الإنسان في المجتمع، عبر التوجيه والإرشاد والموعظة والقدوة وإنزال العقوبة لمن يخرج عن الجماعة التربوية. وأشار إلى أهمية الفكر التربوي في توفير المعرفة والخبرة التي تعمل على تطوير وتنمية المهارات، والعادات والسلوكيات التي تجعل الشخص يعيش حياة مليئة بالتجارب الحياتية الجديرة بالاهتمام .
وبحسب القنطار هناك نوعين من الأنظمة: الأول ينبع من ذات الفرد عبر أفكار راقية تضم في ثناياها مجموعة من القيم المعبرة عن تفرد الشخصية وامتيازها وشجاعتها بهدف الوصول بالمتعلمين إلى احترام القواعد والقوانين والمعايير السائدة في المجتمع بوازع داخلي بدلاً من فرضها عليهم فالنظام يعبر عن تكوين المجتمع وبنائه الداخلي، لذلك الطالب حين يحترم القواعد المدرسية، فهو يتدرب على احترام القواعد ويكتسب عادة التحكم في غرائزه وكبح جماح نفسه، أما النظام الاني فهو مفروض من خارج الفرد، ويعني أن وظيفة النظام الحقيقية ليست مجرد وسيلة تهدف لحث الطلاب على العمل في هدوء أو لتحريك رغبة نحو التعلم أو للحرص على عدم إرهاق المعلم ولكنه أداة ضرورية لإرساء دعائم التربية الأخلاقية، والمعلم هو المسؤول الأول أمام الهيئة التربوية والاجتماعية عن حفظ النظام وصيانته، لذا لا بدّ من أن يتصف بصفات شخصية تؤهله لهذا الدور مثل التصميم والحزم وقوة الإرادة.
تشخيص وعلاج
بالمختصر، الضبط الاجتماعي يشير إلى معاني التوجيه والإرشاد والبث للقيم والمعتقدات المرغوبة في إطار الدور الذي تقوم به المؤسسات التربوية والثقافية، ولا شك في أن وجود المعلم القدوة ذي الشخصية القوية عامل أمان في الصف، كونه قادرا على تحقيق درجة عالية من الضبط الاجتماعي بطريقة تشخيصية علاجية بعيداً عن استخدام العقاب البدني، وهذا ما يحقق الضبط داخل المدرسة وخارجها، أي في بيته وفي كل سلوكياته نظراً لثبات واستقرار شخصيته التي تكونت بفعل التأثير الإيجابي للمعلم القدوة كأستاذ ومربّ، مع التأكيد على أهمية التكامل والتفاعل بين الأسرة وإدارة المدرسة والمؤسسات الأخرى ذات الصلة.
علا أبو عجيب