حلف الناتو يداعب روسيا بعد قناعته بالهزيمة
تقرير إخباري
لا يختلف اثنان في هذا العالم على أن حلف شمال الأطلسي “ناتو” هو أداة عسكرية وسياسية أمريكية تستخدمها واشنطن وفقاً لمصالحها، وبالتالي فإن تذبذب مواقف الناتو تجاه روسيا محكوم بهذه الحقيقة، وهي أن شركات السلاح الأمريكية هي التي تحدّد متى يحذّر أمين عام حلف الناتو ينس ستولتنبرغ من خطر روسي وشيك ومتى يعطي الأوروبيين فسحة من الوقت للتفكير في أن روسيا لا تمثّل حالياً خطراً محدقاً بأوروبا، حيث تحوّل الحلف إلى راسم فعلي لسياسات الدول الأوروبية المنضوية تحته.
وبما أن العقيدة العسكرية الروسية لا تتضمّن أصلاً أيّ كلمات عن ضرورة ردع الحلف، بينما تتضمّن عقيدة الحلف صراحة ردع روسيا، فإن حديث ستولتنبرغ الحالي عن غياب التهديد الروسي له حيثياته أيضاً.
وبغض النظر عن هذا التذبذب الواضح في تصريحات أمين عام الناتو، فإن الحلف منذ نحو عامين يدعم أوكرانيا مالياً وعسكرياً وسياسياً في حرب تخوضها كييف عنه بالوكالة، وهذا لم يعُد سراً، وذلك الدعم طبعاً مرتبط بسياسة الحلف التوسعية لتطويق روسيا وهزيمتها استراتيجياً، ولذلك كان الدعم سخيّاً طوال الفترة الماضية.
أما الآن وقد اقتنع الأطلسي بعدم قدرته على هزيمة روسيا بعد كل هذا الضخ بالأسلحة المتطوّرة، فإن الأطلسي يتوجّس من إمكانية قيام روسيا بالسيطرة على أوكرانيا كاملة بعد الهزيمة الحتمية التي مُني بها النظام في كييف، فقد بات على “الناتو” أن يبحث عن طريق للعودة إلى علاقة طبيعية مع روسيا، عبر القيام بمداعبة موسكو تدريجياً، ومن هنا قال ستولتنبرغ: إن فشل أوكرانيا في هجومها المضاد حتى بمساعدة أسلحة الحلف، دليل قاطع على ضرورة عدم الاستهانة بروسيا، مؤكّداً في الوقت ذاته ضرورة عدم التوقف عن دعم أوكرانيا.
وقد تلقّت أوكرانيا مساعداتٍ مالية وعسكرية ضخمة من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى، منذ بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، في 24 شباط 2022، وهذا الدعم الواضح لا يستطيع الناتو أن يتنصّل منه الآن، ولكنه في الوقت الذي بدأ يشعر فيه بأن نشوة النصر الروسية يمكن أن تقود موسكو إلى السيطرة على أوكرانيا بأكملها، لتصبح روسيا جارَ الناتو من جهة بولندا وعلى تماسٍ مباشر مع معقل الناتو العسكري في ألمانيا التي تستضيف أكبر قواعده العسكرية، فضلاً عن المساحة الجغرافية الواسعة التي تجعل أوكرانيا تشرف على أغلب عواصم الناتو، صار لزاماً عليه أن يعيد حساباته فيما يتعلّق بالعلاقة مع روسيا.
فألمانيا والولايات المتحدة وربّما فرنسا تتسابق الآن في إجبار فلاديمير زيلنسكي على التفاوض مع روسيا وفق الواقع على الأرض، أي أن يتخلّى عن الأراضي التي حرّرتها روسيا، وهذا طبعاً لا ينسجم مع التصريحات الغربية السابقة حول عدم الاعتراف بالأراضي التي ضمّتها روسيا إليها خلال عمليّتها العسكرية الخاصة، كما أن بولندا، وهي الممر البري الوحيد لسلاح الأطلسي إلى أوكرانيا، أغلقت إلى الآن عدداً من المنافذ الحدودية مع أوكرانيا بحجج واهية مثل انقطاع التيار الكهربائي والصيانة، ونقلت وكالة أنباء “أونيان” البولندية، عن متطوعين وناشطين أوكرانيين أن توريد الشحنات العسكرية والسلع الحيوية إلى أوكرانيا قد توقف بسبب احتجاج شركات النقل البولندية وغلق حدود البلدين.
وعودة ستولتنبرغ في أقل من 24 ساعة ليعلن أن إحدى المهام الرئيسية لحلف الناتو هي منع تصعيد الصراع في أوكرانيا وتحويله إلى حرب واسعة النطاق مع روسيا، مؤكّداً أن “العضوية الكاملة لأوكرانيا في الناتو في خضمّ الأعمال العدائية أمر مستحيل”، تؤكّد أن التصريحات الوقتية لقادة الناتو، وخاصة أمينه العام، إنما تنمّ عن خشية كبيرة من أن تقرّر روسيا الوصول إلى غرب أوكرانيا، وبالتالي صناعة جيب آخر لها في عمق أراضي الناتو شبيه بجيب كالينينغراد.
طلال ياسر الزعبي