منتخبنا الوطني لكرة القدم في مباراتي التصفيات… أداء غير مقنع وإشارات استفهام عريضة.. أخطاء كرتنا تبدأ من الأندية واتحاد اللعبة عاجز عن وضع الضوابط والحلول
البعث الأسبوعية-ناصر النجار
أنهى منتخبنا الوطني لكرة القدم المرحلة الأولى من التصفيات الآسيوية المؤهلة لمونديال 2026 ونهائيات الأمم الآسيوية 2027، باللقاءين المنتظرين مع كوريا الديمقراطية واليابان وخرج من الموقعتين بأداء هزيل وفوز صعب على كوريا بهدف يتيم وخسارة قاسية أمام اليابان بخمسة أهداف نظيفة، وتبقى له من مرحلة الذهاب مباراة واحدة ستقام في 21 آذار من العام القادم مع منتخب ميانمار أضعف المنتخبات المشاركة الذي خسر مباراتيه أمام اليابان بخماسية نظيفة وأما كوريا بستة أهداف مقابل هدف واحد.
في الترتيب بعد جولتين نجد أن منتخب اليابان يتصدر فرق مجموعتنا بالعلامة الكاملة وله عشرة أهداف ولم يدخل مرماه أي هدف، ثم منتخب كوريا ومنتخبنا الذي يتأخر عن الكوريين بفارق الأهداف ولكلا المنتخبين ثلاث نقاط وأخيراً منتخب ميانمار برصيد صفر من النقاط له هدف وعليه أحد عشر هدفاً.
في الحسابات الورقية فإن آمال منتخبنا ما زالت قائمة بشرط تجاوز كوريا في مباراة الإياب، ويمكن التعادل أن يكون تأشيرة عبور لمنتخبنا شريطة أن تخسر كوريا مباراتيها مع اليابان، وكل هذا باعتبار أن المنتخبات الثلاثة ستهزم ميانمار بمباراتي الذهاب والإياب، ونحن هنا لا نتحدث عن مفاجأة ما قد تحدث في المباريات القادمة كأن تحقق كوريا نتيجة طيبة مع اليابان بفوز أو تعادل غير محسوب!
لذلك كما قلنا فإن الحسابات بالخسارة القاسية أمام اليابان لم تتغير لأن الخسارة بهدف أو أكثر هي خسارة إلا إذا وقعنا بمطب فارق الأهداف ووقتها سيكون للأهداف اليابانية الخمسة أثر كبير على التأهل الذي قد نحرم منه.
المرحلة الثالثة من التصفيات ستنطلق في آذار من العام المقبل عبر مباراة ميانمار التي سنقابلها مرتين متتاليتين بلقاءي الذهاب والإياب وبالتالي فإن الفوز في هاتين المباراتين أمر وارد وهذا يضعنا بمسألة مهمة جداً وهي التحضير الجاد للمباراتين اللتين تليهما مع اليابان وكوريا الديمقراطية، والفارق الزمني فيه متسع فأمامنا أكثر من أربعة أشهر وهذه الفترة كافية لكي يتم تصحيح مسار المنتخب والبحث عن مكامن الخلل فيه حتى لا نقع في المحظور ونخسر التأهل للدور الثاني وتكسب كوريا الشمالية هذا الشرف.
مشاركة هامة
الحدث المهم القادم الذي ينتظر منتخبنا لا يبتعد أكثر من أربعين يوماً وهو النهائيات الآسيوية التي تستضيفها قطر مطلع العام القادم (12 كانون الثاني 2024)، هذه النهائيات سنواجه فيها منتخبات استراليا وأوزبكستان والهند، المواجهات فيها صعبة للغاية ولا يوجد في مجموعتنا منتخب ضعيف ، فالهند قفزت كرتها قفزات سريعة وها هي فازت على الكويت على أرضها وبين جمهورها في التصفيات الآسيوية بهدف نظيف، أي إن المنتخب الهندي لم يعد كما كنا نحسبه من ضعفاء آسيا، بل خطا خطوات واسعة في عالم كرة القدم وبات يخشى جانبه، واللعب معه اليوم محفوف بالمخاطر أكثر من ذي قبل، وبعيداً عن منتخب الهند فإن منتخبي استراليا وأوزبكستان غنيان عن أي تعريف ولا يحتاجان إلى تقديم وهما أفضل من كرتنا بمسافات شاسعة وهدفهما الانتقال إلى الدور الثاني والدخول في عمق المنافسة على اللقب الآسيوي.
لذلك لا بد من خطوات عاجلة لإنقاذ سمعة المنتخب في النهائيات الآسيوية منذ الآن على أن تتبعها خطوات أخرى لمعالجة الخلل والأخطاء قبل فوات الأوان.
ليسوا الأفضل
من خلال متابعتنا للمنتخب منذ تسلم المدرب الأرجنتيني هيكتور كوبر قبل تسعة أشهر لم نجد أي تطور إيجابي على أداء المنتخب، وعلى العكس نشعر أن منتخبنا يتدهور ويتدحرج إلى الوراء مباراة بعد أخرى، وللأسف وصل إلى أدنى مستوى في لقاء اليابان والسبب أننا لم نجد أي خطوة تطويرية في كل فترات الاستعداد السابقة، ودليل ذلك الأداء المتعثر الذي يقدمه المنتخب في المباريات الودية والرسمية للمنتخب ناهيك عن نتائج غير سارة لم ترض عشاق الكرة السورية وخبراءها.
وإذا عدنا إلى المؤتمر الصحفي الذي أقامه اتحاد كرة القدم للمدرب كوبر قبل السفر إلى السعودية لأداء مباراتيه مع كوريا واليابان، فإننا سمعنا منه كلاماً عاماً عن المنتخب في جزء منه غامض وغير مفهوم، لكن الجزء المفهوم منه أن المنتخب بحاجة إلى الكثير من الوقت ليهضم اللاعبون أفكاره وليفهوا أسلوبه وليدخلوا مرحلة التناغم والتفاهم، حيث قال حينها: “أيام الفيفا لا يمكن أن تصنع منتخباً متجانساً لأن هذه الفترة مدتها قصيرة، اللاعبون جيدون وهم في طور استيعاب الأفكار التي أتحدث بها عن كرة القدم”.
وكل كلامه الذي قاله كان يشير أنه بحاجة إلى وقت ليصل بمنتخبنا إلى حالة الجاهزية الفنية والبدنية، أي هو مستمر مع المنتخب إلى نهاية عقده الذي يحميه ولا يحمي كرتنا، وعذره إن سألته فإنه سيبادر بالقول: هذه كرتكم وهؤلاء لاعبيكم.
بالمحصلة العامة نقول: كوبر يتحمل المسؤولية لأنه من اختار اللاعبين أو إنه قبل ببعض اللاعبين، والمشكلة التي تحدثنا عنها دائماً هي نوعية اللاعبين الذين يمثلون المنتخب فهؤلاء ليسوا الأفضل في كرتنا، وإذا كان كوبر يميل إلى لاعبي الخبرة فعليه أن يبحث عمن يحمل الفريق، فالمنتخب بحاجة إلى لاعبين نشيطين يملكون المهارة والسرعة وهذه للأسف فقدها لاعبو الخبرة، وشاهدنا كيف قدم منتخبنا أداء جيداً أمام كوريا في نصف الساعة الأولى، لكنه فقد كل مخزونه بقية المباراة، ولو أنصفت كرة القدم لخرج المنتخب الكوري من المباراة متعادلاً على الأقل، وصمد دفاعنا كذلك نصف ساعة أمام اليابان ثم انهار فجأة وتلقى مرمانا ثلاثة أهداف في ثماني دقائق، ولو لعبت اليابان بجد لانتهت المباراة إلى فضيحة كروية مجلجلة، ولكن بعد أن ضمنت المباراة وشعرت أن منتخبنا رقيق قدمت تمريناً إيجابياً تفادياً للإرهاق والإصابات.
جيلان مختلفان
وإذا دققنا في خط الدفاع وحده (على سبيل المثال) لوجدنا أن جميع اللاعبين تجاوزت أعمارهم الثلاثين سنة بسنوات، وهذا أمر غريب وعجيب جداً أن تحتفظ بمثل هؤلاء اللاعبين، والأغرب أنهم يخذلون المنتخب وفي كل مرة يعودون، ولم نشعر بتطور خط الدفاع منذ سنوات لأن الخيارات كلها لم تكن مبنية على الأفضل لأنها بنيت على موضوع الأسماء إضافة للتكتلات التي كانت تفرض نفسها على المنتخب، أي هناك مجموعة من اللاعبين تشكل عصبة تريد أن تكون كلها في المنتخب منها الصالح ومنها الطالح، فالمهاجم الفلاني يرتاح مع لاعب معين بخط الوسط ولا يقبل عنه بديل، وهكذا سارت أمور المنتخب بتشكيلات لم تكن الأفضل بكل الخطوط.
بكل الأحوال لو استبدلنا بعض اللاعبين بلاعبين جدد من متوسطي العمر الذين نشاهدهم في الدوري متألقين ولديهم إمكانيات جيدة ومهارة ويملكون روح الشباب وعنفوانه لكان أفضل من هؤلاء الذين بلغوا سن العجز، وبالتأكيد لن يخسر منتخبنا مع هؤلاء أكثر مما خسره مع لاعبي الخبرة، لكن الفارق في الأمر أننا سنكسب منتخباً جديداً بلاعبين جدد إن تعثروا اليوم فغداً سيكون لهم تأثير كبير.
المسألة يمكن مناقشتها من زاوية أخرى، هناك جيلان كرويان ضائعان، ربما بسبب الأزمة وربما بسبب الإهمال، وفي الحسابات فإن الفارق بالعمر بين منتخب الرجال والمنتخب الأولمبي يمتد من عشر سنوات إلى أكثر من ذلك، فكرتنا لديها لاعبون تحت الـ 23 سنة جيدون ولاعبون آخرون تجاوزوا الثلاثين سنة، لذلك نسأل الا يوجد لدينا لاعبون في منتصف العمر الكروي جديرون بالانضمام إلى المنتخب الوطني؟
نحن نقدر ما يفكر به اتحاد كرة القدم من خلال تطوير القواعد لكن هل علينا أن ننتظر المنتخب الأولمبي أو منتخب الشباب سنوات وسنوات حتى نحصل على نتيجة طيبة وأداء جميل يرضى عنه كل عشاق كرتنا؟ لماذا لا نفكر منذ الآن بضم بعض اللاعبين الموهوبين إلى المنتخب أسوة بمحمد الحلاق وياسين سامية، فهناك لاعبون في الدوري يماثلونهم مستوى وحيوية وهم في سن معقولة وعمر افتراضي جيد لكرة القدم، ولدينا قائمة طويلة من الأسماء لن نذكر أحداً منها حتى لا يقال إننا نزكي هذا اللاعب أو ذاك.
مسؤولية الأندية
المنتخب الوطني هو خلاصة الدوري الكروي، والدوري يعكس عمل الأندية التي تهتم بكرة القدم، هذه المعادلة صحيحة وكل منتخب متفوق ستجد أن لديه دوري جيد وأندية متميزة تعرف كيف تسير بكرة القدم نحو التفوق والتطور.
في رياضتنا كل نادٍ يعمل وفق وجهة نظر وفكر من يقوده وللأسف قد يقود هذا النادي رجل ليس له علاقة بالرياضة أو بكرة القدم من المحبين الوافدين الذين استلموا قيادة الأندية من أجل الدعم المالي، لذلك من الطبيعي ألا نجد هذا الفكر الكروي الذي يقود الأندية نحو التطور ووفق روزنامة سنوية واستراتيجية طويلة المدى.
والخطأ الممارس في الأندية نجده بشكل رئيسي في أربع نقاط، أولها: أغلب الأندية لا تهتم بفرقها القاعدية وكلها مهملة خصوصاً لجهة النفقات والتجهيزات والمكافآت، والمفترض أن يكون الاهتمام بفرق القواعد اقوى من الرجال لأن هذه الفرق هي ذخيرة النادي ومستقبله، وكلنا يجد أن الأندية المتعثرة تكون قواعدها ضعيفة وتبحث دوماً عن لاعبين هنا وهناك لعدم وجود اللاعبين من أبناء النادي ليقودوا فريق الرجال، وعلى سبيل المثال نجد فريق الفتوة تعاقد في الموسم الماضي مع عشرين لاعباً وهذا الموسم تعاقد مع عدد مماثل ولا نجد إلا بضعة لاعبين ينتمون لقواعده.
النقطة الثانية هي عدم الاعتماد على اللاعبين الشباب والاتجاه إلى لاعبي الخبرة ما جعل العمر الوسطي للاعبي الدوري ثلاثين سنة وهذا يشير إلى أن الدوري الممتاز دوري عجوز، وهذا الدوري لا يمكن أن يقدم لك منتخباً حيوياً وناضجاً.
ثالث النقاط هي أن الأندية في كل موسم تستبدل على الأقل عشرة لاعبين وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى ضعف الدوري وتراجعه لعدم الانسجام بين اللاعبين في الفريق الواحد، لأن الفريق عندما يضم مثل هذا العدد في الموسم الواحد بحاجة إلى وقت طويل ليتحقق الانسجام بين اللاعبين وليتفهم اللاعبون أسلوب المدرب الجديد الذي يتغير في الموسم الواحد أكثر من مرة.
أخر النقاط تتمثل بالتغيير الدائم في المدربين فالنادي الواحد يغير على الأقل مدربين اثنين كل موسم، وهذا الأمر يؤدي إلى فوضى فنية، ففي كل موسم جديد مدربون جدد ولاعبون جدد وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى أن النادي يبدأ من الصفر مطلع كل موسم وهذا بمجمله لا يطور كرة القدم.
اتحاد كرة القدم أرخى الحبل للأندية فلم يضع الضوابط لكل هذه الأخطاء، والمفترض أن يحدد مدة التعاقد وأن يحدد عدد اللاعبين الذين يحق للنادي التعاقد معهم ممن تجاوزوا الثلاثين.
لكن بغياب الاستراتيجية الصحيحة وبغياب الوعي الفكري عند الأندية وبغياب الضوابط التي يجب ان يضعها اتحاد كرة القدم لا نستغرب مثل هذا المستوى وهذه النتائج التي تحققها منتخباتنا الوطنية.