لمناسبة قمة المناخ “كوب 28” رسائل إلى بايدن ودعوات للابتعاد عن الوقود الأحفوري
البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة
من المقرر أن يبدأ مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ في دبي هذا الأسبوع، حيث سيكون توصل دول العالم إلى اتفاق بشأن التخلص التدريجي السريع والعادل من الوقود الأحفوري أحد أهم مؤشرات النجاح.
يعتمد التقدم على هذه الجبهة في حماية المفاوضات والسياسات الوطنية القائمة، على تحجيم تدخل قطاع صناعة الوقود الأحفوري الذي كان له اليد الطولى في مفاوضات المناخ الدولية منذ أن بدأت قبل أكثر من ثلاثة عقود، حيث تظهر المزيد من الأدلة التي تم جمعها بشأن المساءلة المناخية، أن شركات نقط مثل “إكسون موبيل”، و”شل” وغيرها من الشركات قامت بحملات لتأخير وإعاقة الإجراءات المتعلقة بالمناخ.
وبحسب الخبراء المختصين بالتغيرات المناخية، فإن هذه الشركات تواصل حملاتها حتى يومنا هذا، حيث تتراجع عن تعهداتها بالاستثمار في الطاقة المتجددة بسبب الأرباح القياسية التي تحققها.
ومع اقترابنا من نهاية عام من الكوارث المدمرة التي يغذيها تغير المناخ، ومتوسط درجات الحرارة العالمية الذي حطم الأرقام القياسية، فإن خيارات الحد من أسوأ الآثار المحتملة لتغير المناخ تتقلص.
ويرى مراقبون أنه يتعين على مفاوضي مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ كوب 28، منح العالم أفضل فرصة لتحقيق الأهداف المناخية الواردة في اتفاق باريس للمناخ.
لا تثق في صناعة الوقود الأحفوري
يعد الوقود الأحفوري– الفحم والغاز والنفط – أكبر المساهمين في تغير المناخ الذي يسببه الإنسان، وبحسب المدير المشارك لمعهد المساءلة المناخية ريتشارد هيدي، فإن ثلثي إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان الصناعية منذ بداية الثورة الصناعية يعود إلى 90 جهة فقط، وهم منتجي الفحم والغاز والنفط ومصنعي الأسمنت. لذا فمن المنطقي أن تتناول المفاوضات الدولية المتعلقة بتغير المناخ مسألة الوقود الأحفوري بشكل مباشر، ولكن حتى عامين مضت كانت اتفاقيات وقرارات مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ، تضمن المصالح الخاصة لشركات الوقود الأحفوري.
مراقبة صناعة الوقود الأحفوري
من المؤكد أنه من دون توفير الحماية ضد تضارب المصالح في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب28 فإن صناعة الوقود الأحفوري ستصبح نافذة المفعول.
ووفقاً لتحليل أجرته مؤسسة مساءلة الشركات، والمرصد الأوروبي، تم اعتماد ما يزيد على 500 شخص ممن تربطهم صلات بمصالح الوقود الأحفوري كمشاركين في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 26 قبل عامين، وفي مؤتمر كوب 27، قامت هيئات مراقبة المجتمع المدني بتحديد أكثر من 600 عضو من جماعات الضغط في صناعة النفط والغاز في قوائم التسجيل.
رداً على طلبات قدمها المسؤولين المنتخبين والمجتمع المدني، تم وضع قواعد جديدة للشفافية لأول مرة في كوب 28، حيث يتعين على المشاركين الكشف عن انتمائهم، والذي سيتم إدراجه علناً، ويرى مراقبون أن هذه الإفصاحات تعتبر خطوة إلى الأمام، ولكنها غير كافية لتحقيق المساءلة الحقيقية.
من المفترض أن شركة “إكسون موبيل”- التي يشرف عليها الرئيس والمدير التنفيذي ريكس تيلرسون، الذي شغل منصب وزير الخارجية في إدارة ترامب- قد أقرت بمخاطر تغير المناخ وضرورة وقف تمويل المجموعات التي تروج لإنكار تغيير المناخ، لكن تحقيقاً أجرته صحيفة “وول ستريت جورنال” على مجموعة من وثائق شركة “إكسون موبيل” الداخلية، كشف أن الشركة واصلت جهودها للتشكيك في علوم المناخ من خلال محاولتها التأثير على الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهي الهيئة العلمية المستقلة التي تقدم أحدث التطورات العلمية للمساعدة في إعلام الدول المشاركة في مفاوضات مؤتمر الأمم المتحدة لتغيير المناخ.
وبحسب الوثائق الداخلية، رفض تيلرسون أهداف اتفاقية باريس المتمثلة في الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة حرارة الأرض في حدود أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الصناعة، ومواصلة الجهود الرامية إلى حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية، ووصفه بأنه “شيء سحري”.
اليوم، تدَعي معظم شركات النفط والغاز الكبرى المملوكة للمستثمرين أنها مواءمة مع أهداف اتفاقية باريس، فقد تعهد معظمها بالوصول إلى الصفر الصافي من انبعاثات الانحباس الحراري العالمي بحلول عام 2050، لكن سلوكياتهم تكذب هذه الادعاءات، حيث تواصل شركات “بريتيش بتروليوم، شيفرون، موبيل وشل” وغيرها من شركات الوقود الأحفوري الكبرى توسيع نطاق استكشاف الوقود الأحفوري واستخراجه ومعالجته وتسويقه ومبيعاته مع نشر معلومات مضللة والسعي إلى عرقلة العمل من أجل المناخ.
وفي عام 2022 وجدت دراسة اعتمدت على أداء المساءلة المناخية، أن شركات “بريتيش بتروليوم، شيفرون، إكسون موبيل، وشل” لا تزال تعتمد على الوقود الأحفوري، مع إنفاق ضئيل على الطاقة النظيفة، وخلص الباحثون إلى أن التحول إلى نماذج الأعمال بالطاقة النظيفة لا يحدث.
استجابت هذه الشركات لمطالب المستثمرين من خلال تحديد أهداف لخفض الانبعاثات ونشر تقارير مناخية لامعة، ووفقاً لدليل تتبع أهداف “صافي الصفر”، فإن ثلثي شركات الوقود الأحفوري لديها التزامات بصافي صفر، لكن معظم هذه الالتزامات لا معنى له، لأنها لا تغطي بشكل كامل انبعاثات النطاق 3 الناتجة عن استخدام منتجاتها، والتي تمثل 80 إلى 95 بالمائة من الانبعاثات الحرارية الناتجة عن قطاع النفط والغاز.
على سبيل المثال، لا تزال شركة “إكسون موبيل” ترفض تحمل المسؤولية لخفض الانبعاثات الناجمة عن حرق منتجاتها من النفط والغاز، كما أن الأهداف المناخية لشركات الوقود الأحفوري التي لا تتضمن خططاً للتخلص التدريجي من النفط والغاز لا تتوافق مع الإجماع العلمي والسياسي، لذا يوصي التقرير الصادر عن فريق خبراء تابع للأمم المتحدة، بأن تتضمن أهداف صافي الانبعاثات الصفرية ذات المصداقية “أهدافاً محددة” تهدف إلى إنهاء استخدام أو دعم الوقود الأحفوري.
تشكل المعلومات المضللة و التمويه الأخضر مسؤولية قانونية متزايدة على صناعة الوقود الأحفوري، فقد رفعت العشرات من المدن والمقاطعات والولايات في جميع أنحاء الولايات المتحدة والأقاليم التابعة لها دعوى قضائية ضد صناعة الوقود الأحفوري بسبب الأضرار المناخية والاحتيال، كما وثقت أحدث دعوى قضائية تتعلق بالمساءلة المناخية، والتي رفعتها كاليفورنيا في أيلول الماضي، وتسعى إلى إنهاء حملات التضليل المناخي المستمرة من قبل خمس شركات نفط وغاز مملوكة للمستثمرين ورابطاتها التجارية الرئيسية، معهد البترول الأمريكي.
يبذل المدعى عليهم في مجال الوقود الأحفوري كل ما في وسعهم للتهرب من المساءلة وتأخير العدالة للأشخاص والمجتمعات المتضررة من منتجاتهم وممارساتهم التجارية، فقد استخدمت شركة “إكسون موبيل” بعض المعلومات المخترقة في جهودها لإحباط المساءلة القانونية والعامة، بينما تبذل الشركة وغيرها من شركات الوقود الأحفوري محاولات مستميتة لوضع نفسها كجزء من الحل لتغير المناخ واستعادة “رخصتها الاجتماعية” – شرعيتها المتصورة بين المستهلكين،والعمال،والمجتمعات التي تعمل فيها، والمستثمرين، وصناع السياسات، الفئات المستهدفة الرئيسية الأخرى.
في قمة الرؤساء التنفيذيين لمنظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ التي انعقدت مؤخراً في سان فرانسيسكو، رفض رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل” دارين وودز، الأدلة على خداع الشركة المتعلقة بالتغيرات المناخية، وقال لنكون جادين بشأن الحياد الكربوني، فإن العالم بحاجة إلى أن يتسم بالواقعية، منتقداً الضغوط التي تتعرض لها شركات الطاقة، ثم ضاعف الخداع بإصراره على أن المشكلة تكمن في الانبعاثات، وليس النفط والغاز.
من الواضح أن وودز يسعى لجعل العالم يصدق أن شركة “إكسون موبيل” قادرة على حل مشكلة تغير المناخ باستخدام تقنيات مثل احتجاز الهيدروجين والكربون وتخزينه، ويدعي أن شركة “إكسون موبيل” تمتلك الموارد الفكرية والمالية اللازمة “لضبط منحنى الانبعاثات”، لكن شركة النفط والغاز الأكثر ربحية على مستوى العالم كانت تتمتع بهذه القدرة الفنية والمالية قبل عقود من الزمن، عندما حذر علماؤها الإدارة العليا من التهديد الناجم عن تغير المناخ.
في الواقع، لم تقرر شركة “إكسون” عدم استخدام مواردها لقيادة التحول في مجال الطاقة فحسب، بل اختارت بدلاً من ذلك تمويل حملة خداعها المستمرة، لقد أدت عقود من التأخير إلى جعل التحدي الذي يواجهه العالم من الآن وحتى عام 2030 أكبر بكثير.
التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري
قبل انعقاد قمة الطموح المناخي في أيلول التي نظمتها الأمم المتحدة، خرج عشرات الآلاف من المحتجين في نيويوك للمطالبة بتعزيز إجراءات مكافحة التغير المناخي والدعم الكبير لصناعة الوقود الأحفوري، وفي الوقت نفسه، أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على ضرورة تخلص البلدان تدريجياً من الوقود الأحفوري، وأن يُترك النفط والفحم والغاز في الأرض حيث ينتمي، وتعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة بشكل كبير، داعياً شركات الوقود الأحفوري إلى التوقف والكف عن استغلال النفوذ والتهديدات القانونية المصممة لعرقلة التقدم.
في حين ادعى وودز الرئيس التنفيذي لشركة “إكسون موبيل” كذباً أن التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري يمكن أن يحرم الناس في الجنوب العالمي – الذين ساهموا بأقل قدر في تغير المناخ – من الوصول إلى الطاقة، فإن الناشطين والمدافعين عن الجنوب العالمي هم من بين الأصوات الأكثر التزاماً وقوة للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري.
جدير بالذكر، أن استخراج الوقود الأحفوري ومعالجته وحرقه أدى إلى تفاقم المشاكل الصحية والبيئية والاجتماعية في مجتمعات السكان الأصليين، وذوي الدخل المنخفض في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم.
يرى المختصون أن التخلص التدريجي يجب أن يكون سريعاً وعادلاً، وأن يشمل جميع أنواع الوقود الأحفوري – الغاز والنفط وكذلك الفحم، وأن يتضمن أيضاً تخفيضات سريعة وعميقة ومباشرة في استخدام الوقود الأحفوري، كما يتعين أن يكون رفض التوسع في إنتاج الوقود الأحفوري هو الموقف الثابت للحكومات على كل المستويات، والسعي لبناء البنية التحتية التي يمكن أن تظل قائمة لعقود قادمة.
قد تلعب هذه الطرق، مثل احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، وإزالة ثاني أكسيد الكربون، وأنواع وقود الاحتراق البديلة، دوراً محدوداً في تحقيق الأهداف المناخية طويلة المدى، ولكن من غير المرجح أن تلعب دوراً ملموساً في تحقيق أهداف عام 2030، فهي لن تقلل بشكل كامل من المخاطر البيئية والمشاكل العامة، والأضرار الصحية الناجمة عن الوقود الأحفوري، وهي ليست بديلاً عن التخفيضات الفورية والحادة في إنتاج واستخدام الوقود الأحفوري التي أصبحت ضرورية الآن.
قبل انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 28، وقع أكثر من 650 عالماً على رسالة إلى بايدن يحثونه فيها على الالتزام بالتخلص التدريجي السريع والعادل من جميع أنواع الوقود الأحفوري مع جداول زمنية واضحة وأهداف مستنيرة علمياً على المدى القريب والبعيد، والدعم من خلال تمويل لكوب 28 للبلدان ذات الدخل المنخفض والمتوسط من أجل التحول إلى الطاقة النظيفة، كما دعا العلماء الولايات المتحدة إلى الرفض العلني لتدخل مصالح الوقود الأحفوري، فضلاً عن تكتيكات الغسل الأخضر الذي يؤخر ويعوق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، في الاتفاق النهائي في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ كوب 28..