الطقس على “السوشال ميديا”.. الحاجة ملحة لفرض القوانين وضبط الشائعات
دمشق – لينا عدره
دعا أستاذ الطقس والمناخ في جامعة تشرين، الدكتور رياض قره فلاح، إلى فرض قانون يضع حدّاً لكل جهة أو موقع غير مختص يقوم بتداول قضايا الطقس والمناخ، وعلى وجه الخصوص تلك المواقع التي تثير البلبلة وتنشر الإشاعات، أو تلك التي تتحدث عن إمكانية حدوث عواصف ثلجية وأمطار غزيرة غير مسبوقة أو مرتفعات جوية لم نعهد حدوثها في منطقتنا، إلى آخر ما هنالك من معلومات مغلوطة قد تحدث إرباكاً لدى الناس، أو تلغي خططاً ومشاريع لفئة كبيرة منهم، أو قد تؤثر على النشاط الاقتصادي والاجتماعي للمواطن.
وشدد قره فلاح، في حديثٍ لـ “البعث”، على ضرورة حصر قضية الطقس بجهات رسمية مختصة، كالمديرية العامة لهيئة الأرصاد الجوية السورية والكليات الجامعية المهتمة بالشأن العلمي، لافناً إلى إلى أن قضايا الطقس والأخبار الجوية ليست عمل من لا عمل له، بل هي على العكس من ذلك، لأن موضوع المناخ يعتبر شأناً علمياً في غاية الأهمية، ولا نبالغ إذا ما قلنا إنه الأهم من بين جميع العلوم، مضيفاً: أي مؤتمر يُعقد ومهما كان مجاله (علميا، طبيا، اقتصاديا، نفطيا أو هندسيا) سيقتصر حضوره على أصحاب الشأن والاختصاص فقط، في حين أن من يحضر أي مؤتمر له علاقة بالمناخ والطقس هم رؤساء الحكومات والدول، ما يؤكد أهمية الطقس وتأثير المناخ والتنبؤات الجوية ومدى علاقتها المباشرة على كلّ الأصعدة، إن كان لجهة دراسة حالة الجو وتأثيرها على حركة الطيران والملاحة البحرية والجوية في المطارات والموانئ، أو على النشاطات الاقتصادية والزراعية والبيئية والخدمية، بل حتى على أبسط تفاصيل حياتنا اليومية في أعمالنا المنزلية والاجتماعية، ما يجعل التلاعب بموضوع المناخ والنشرات الجوية والحديث عن أخبار الطقس من قبل أشخاص غير مختصين أو مواقع لا علاقة لها بالأمر أمراً في غاية الخطورة، لأن الكثير من الأشخاص يخطّطون لمشاريعهم ونشاطاتهم وتحركاتهم بناءً على ما تبثّه تلك النشرات، وبالتالي فإن تداول ونشر الأخبار المتعلقة بالطقس بكلّ هذا الكمّ من العشوائية بات أمراً غير مقبولٍ ودعايةً مجانية للكثير من الجهات.
وأشار قره فلاح، إلى أن أكثر ما يثير الاستفزاز هو استخدام بعض المواقع لمصطلحات غير علمية أثناء حديثها ونشرها أخباراً عن الطقس، أو تغييرها لمصطلحاتٍ تُبدل مفاهيم الطبيعة، أو الذهاب أبعد من ذلك من خلال الزج بمصطلحاتٍ في غير مكانها، كالحديث عن إمكانية حدوث عاصفة أو إعصار، علماً – يضيف قره فلاح – أن حدوث مثل تلك الظواهر الطبيعية يستوجب شروطاً وظروفاً وبيئات مناخية معينة.
لكل ذلك، يؤكد قره فلاح على ضرورة فرض قوانين وضوابط على كلّ من يتداول قضايا الطقس، خاصةً وأن جُلّ ما تهدف إليه تلك المواقع هو حصد وجمع أكبر عدد من الإعجابات والمشاركات، مؤكداً تعمّدها استعارة الكثير من التسميات الطقسية كطقس سورية أو الأرصاد الجوية السورية والكثير الكثير من التسميات لجذب أكبر عدد من المتابعين، لافتاً إلى أننا، وبمتابعة سريعة لمن يدير تلك المواقع، سنكتشف بأنهم إما يعملون بالبيع أو الشراء أو التعهدات، وأن دراستهم وعملهم لا علاقة لها بعلم المناخ لا من قريب ولا من بعيد، في مؤشرٍ واضحٍ على حجم الفوضى الكبيرة جداً في المعلومات المناخية، ما يجعلها مصدر خطرٍ كبيرٍ، وخاصةً مع ترقب معظم شرائح المجتمع لما تنشره تلك المواقع في نشراتها الجوية، والنتيجة هي حتماً إثارة بلبلة كبيرة وتشويش في أوساط المجتمع.
وبيّن قره فلاح أن هناك الكثير من التفاصيل المهمّة والدقيقة التي يترقبها الجميع، كلها تتعلق بأحوال الطقس، مؤكداً تلقيه وبشكلٍ يوميٍّ عشرات الرسائل والاتصالات من أشخاصٍ بعضهم يريد أن يعرف التوقيت الأنسب لإقامة حفلاتهم ومناسباتهم الاجتماعية، والبعض الآخر لرياضيين يستفسرون عن حال الموج، وخاصة أولئك الذين يسبحون لمسافاتٍ طويلة، والبعض الآخر لأشخاصٍ يعملون في البناء، وآخرون مزارعون يرغبون بالاطمئنان على أوضاع بيوتهم البلاستيكية لتجنّب خسائر قد تُحدثها الأخبار المغلوطة غير الدقيقة من قبل بعض المتطفلين، مشيراً إلى أن معرفة أحوال الطقس خلال فترة زمنية قد تصل إلى خمسة أو ستة أشهر مقبلة أمرٌ صعبٌ لا يمكن التنبؤ به بهذه السهولة والبساطة، مع إشارته إلى إمكانية معرفة أحوال الجو خلال شهرٍ من قبل أصحاب الاختصاص، إن كان حاراً أو بارداً أو رطباً، طبعاً ضمن ثوابت علمية معروفة.
لذلك، وانطلاقاً من كل ما ذكرناه، يؤكد قره فلاح أننا بتنا في وضع كارثي في ظلّ هذه الفوضى، وخصوصاً بعد الزلزال، كونه تزامن مع حالة طقسية سيئة جداً، ما جعل الكثير من الأشخاص يشعرون بالخوف والتوجس لتوهمهم بوجود حالة ترابط بين حدوث الزلزال والطقس السيئ، لافتاً إلى عدم صحة هذا الأمر على الإطلاق، نافياً وجود أي علاقة بين ما يحدث في باطن الأرض والطقس، الأمر الذي سارعت بعض المواقع لاستغلاله ليصبح الوتر الذي تعزف عليه فقط من أجل حصد وجمع اللايكات، شأنها شأن تلك المواقع التي تتحدث عن العملات أو زيادة الرواتب أو انخفاض الأسعار.
يذكر أن جمهورية مصر العربية أقرت في نيسان الماضي فرض غرامة باهظة جداً على كلّ من ينشر أي معلومات غير صحيحة خاصة بالأرصاد الجوية أو حالة الطقس على وسائل التواصل الاجتماعي، أو يصدر بيانات أو نشرات أو دراسات خاصة بالأرصاد وينسبها للهيئة، وذلك بهدف تقليل الخسائر الناتجة عن نشر أخبار مغلوطة أو إشاعة بيانات غير دقيقة مما قد يضرّ باقتصادها، في حين تُعرَّفُ ألمانيا الأرصاد الجوية لديها بأنها خدمة الأرصاد الجوية الوطنية، ما يؤكد أهمية الأمر وحساسيته الكبيرة.