انتصرت المقاومة أياً كان سيناريو ما بعد الهدنة
هيفاء علي
لقد شاهد العالم بأسره التغطية الإعلامية العالمية الخاصة بتنفيذ بنود الهدنة المعلنة في غزة والتي تضمّنت وقفاً لإطلاق النار، وتبادل الأسرى بين المقاومة وسلطات الكيان المحتل بطريقة واقعية. وبقدر ما هو واضح أن (واحد وواحد يساوي اثنين)، فإن إطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حركة المقاومة، والعلامات الواضحة على أنهم جميعاً في صحة جيدة يخبر بشيء لم يقله أحد في وسائل الإعلام الرئيسية تلك: إنه دليل على أن هدف حكومة نتنياهو هو القضاء على المقاومة في قطاع غزة ولكنه فشل فشلاً ذريعاً، لأنه على الرغم من القصف الوحشي لغزة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلية، التي ورد أنها استخدمت ما يعادل قنبلتين نوويتين من القنابل التي ألقيت على هيروشيما، وعلى الرغم من مشاهد الدمار الشامل للمباني السكنية والبنية التحتية، والمجاعة، ونقص مياه الشرب، وانعدام الكهرباء وانقطاع جميع شحنات المساعدات إلى القطاع منذ 8 تشرين الأول، فقد تمكّنت المقاومة من الحفاظ على سلامة الرهائن وإطعامهم طوال هذا الوقت، ونتنياهو يعرف ذلك بدليل الرهينة الإسرائيلية التي نشرت مقطع فيديو مع ابنتها توجّهت فيه بالشكر لقادة المقاومة في غزة على حسن أخلاقهم ومعاملتهم ورعايتهم لابنتها الصغيرة أثناء وجودهم بالأسر في غزة، مؤكدة أنها ستبقى مدينة لهم مدى الحياة.
وبالتالي، من الواضح أن كلّ ما يقال اليوم عن استئناف الهجوم بعد هذا التوقف القصير لتحقيق أهداف الحرب هو محاولة لصرف الانتباه عن هدفه الحقيقي: جعل غزة غير صالحة للسكن وطرد السكان الفلسطينيين. ربما سيستأنف الإسرائيليون قصفهم وهجماتهم المدفعية عندما تنتهي عملية تبادل الرهائن، وسيدمرون النصف الجنوبي من غزة، كما فعلوا في النصف الشمالي، ومع ذلك، سيأتي وقت سيضطر فيه جو بايدن إلى اصطحاب نتنياهو في نزهة في الغابة، كما يقولون، وفرض وقف للفظائع الإسرائيلية، تماماً كما يوشك على اصطحاب زيلينسكي في نزهة وإقناعه بالتفاوض على السلام، لأن السياسة الخارجية الأميركية هي إحدى وظائف السياسة الداخلية، وهي إحدى وظائف الدورة الانتخابية. ولأن استمرار الحروب في أوكرانيا وغزة سيكلف بايدن أو أي مرشح ديمقراطي آخر منصب الرئاسة، ومهما كانت مزاياهما من وجهة نظر الإمبريالية الأمريكية، فإنهما غير مريحين للغاية لشاغل البيت الأبيض في الوقت الحالي، نظراً للطريقة التي يقسمان بها الحزب الديمقراطي، أو يعززان الحزبية المدمرة بين الأحزاب مما يهدّد قدرة الحزب الديمقراطي.
والآن ما هي السيناريوهات المحتملة بعد الهدنة؟ بحسب مراقبين، تطرح الحالة القائمة سيناريوهات جديدة هي إما استمرار مزيد من الهدن الإنسانية، في مقابل إبرام مزيد من عمليات التبادل بين المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، وإما استئناف العدوان لأيام وربما أسابيع طويلة في ظل مجلس الحرب الإسرائيلي الحالي. وفي ظلّ استمرار الحديث عن إمكانية مواصلة العدوان من رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، حتى القضاء على حماس، فإن هذا الأمر قد يحمل إمكانية كبيرة للعودة إلى القتال من جديد بعد انتهاء مرحلة الهدن الإنسانية، سواء تكرّرت أو توقفت خلال الفترة الحالية.
كما أن الموقف العربي الرافض لسيناريو التهجير هو العامل الأبرز في أن استمرار الحرب الحالية لن يؤدي إلى أية نتائج، سوى المزيد من التدمير والقتل في غزة، خصوصاً الأردن ومصر ورفضهما لأي حديث عن التهجير لاعتبارات أمنية وسياسية خاصة بهما. ويمكن أن تؤدي عمليات التبادل الدائرة خلال الفترة الحالية إلى طرح سيناريو التوصل إلى اتفاق تهدئة شامل، يضمن إجراء عملية تبادل ووقف إطلاق نار طويل الأمد بعض الشيء، إلى جانب إجراء عملية إعادة إعمار لقطاع غزة بعد الدمار الذي حلَّ به.
في الوقت الراهن، يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد المعركة للاستفادة من بقاء غريمه السابق وشريكه في مجلس الحرب بيني غانتس تحت جناحه، والذي باتت استطلاعات الرأي تمنحه إمكانية أن يكون رئيساً للحكومة الإسرائيلية المقبلة في الانتخابات الجديدة، التي من المتوقع أن تتبع نهاية الحرب فيما لو سقطت حكومة نتنياهو.