قمة المناخ 28.. أوروبا وشمال إفريقيا مصيران متشابكان
هيفاء علي
إن تغير المناخ الذي من المفترض أن تعالجه الدول والمنظمات غير الحكومية في قمة المناخ 28 في دبي يتطلب التفكير في الترابط بين المجتمعات، وخاصة على نطاق البحر الأبيض المتوسط. وفي هذا السياق، تتعارض سياسات الهجرة التي تسعى إلى جعل أوروبا حصناً منيعاً مع الديناميكيات العميقة التي تشهدها المنطقة.
تتداخل مناخات بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط وشماله بسبب الاحتباس الحراري، لدرجةٍ باتت معها المنطقة أكثر ترابطاً من أي وقت مضى، حتى في ظلّ إلحاح السّاسة الأوروبيون على إبعاد جيرانهم العرب والأفارقة، بيد أن الصّيف الحارق يؤكد مدى عُقم هذا الموقف وعنفه.
تواجه بلدان جنوب أوروبا وشمال إفريقيا التهديدات البيئية نفسها، مع تسجيل شهر تموز الماضي درجات حرارة قياسية على كلا الضفتين، فقد اندلعت الحرائق في غابات تونس والجزائر، كما أودت بحياة أشخاص في اليونان وإيطاليا. ومع أن بلدان شمال إفريقيا معتادة على موجات الحرارة المرتفعة، لكن يبدو أن المستقبل سيعرف زيادة في وتيرة هذه الموجات وحِدّتها، وفي قدرتها على عبور البحر الأبيض المتوسط والزحف شمالاً إلى أوروبا.
وبحسب خبراء المناخ، يقترن المناخ العِدائيّ بزيادة المخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي والمائي، إذ يؤدي الجفاف والتقلبات المناخية إلى الإضرار بالإنتاج الزراعي في شمال إفريقيا وأوروبا على السواء. مع ذلك، تجد الدول الأوروبية نفسها أقْدر على مجابهة هذه الأضرار، لا سيما عن طريق استيراد المحاصيل من جارتها الجنوبية.
في الواقع، تُسهم ندرة المياه في تراجع قدرة أوروبا على إشباع شهيّتها من المحاصيل المُستهلِكة لكميات كبيرة من المياه، مثل فاكهة الأفوكادو الشهيرة، وهو ما قد يدفع القارّة إلى الاتّكال أكثر على المنتجين في شمال إفريقيا مثل المغرب وتونس ومصر. مع أن صادرات هذه المحاصيل تتيح للدول الثلاثة تدفقاً مرغوباً من العملات الأجنبية، ولكنها تُراكم في الوقت نفسه تكاليفاً خفيّة في مجال الأمن الغذائي والمائي.
بالمثل، قد تُسهم أوروبا على تأمين إمداداتها الطاقيّة والتحوّل عن الوقود الأحفوري، فإنها تتطلع إلى الاستفادة من موارد عديدة في الجنوب، مثل الموارد المعدنية الحيوية في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، والشمس والأرض والمياه اللازمة لتوليد الطاقة الشمسية، وزيادة الترابط بين القارتين، لكن على نحو غير متكافئ أيضاً، غير أن هذا يطرح سؤالاً شائكاً: هل تستطيع أوروبا الاستفادة من موارد القارة الإفريقية دون الإضرار بإمدادات بلدانها من الغذاء والماء والطاقة؟
تجدر الإشارة إلى أن ارتفاع درجات الحرارة يُصاحبه ارتفاع في وتيرة الهجرة، وهي القضية التي تكون فيها إجابة أوروبا أكثر فأكثر عسكريّة وأمنية، ففي حزيران 2023، سجّلت الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل 240 ,29 “عبوراً غير قانوني للحدود”، وهو أعلى رقم تُسجّله في شهر واحد منذ عام 2016، بزيادةٍ بلغت 40% عن حزيران 2022. ولئِن كان من الصّعب إقامة صلة مباشرة بين تغير المناخ والهجرة، فإن الأمر الأصعب هو تجاهل الطرق التي قد تؤدي بها التقلبات المناخية الشديدة إلى إرغام الناس اليائسين على مغادرة بلدانهم.
على سبيل المثال مصر، التي كانت في مقدمة البلدان الأصليّة للمهاجرين الذين عبروا البحر الأبيض المتوسط في عام 2023، تواجه مصر أزماتٍ متفاقمة تتعلق بالأمن الغذائي والمائي، كما أنها معرّضة بشدة لتهديدات مناخية عدّة، ليس أقلّها خطر ارتفاع منسوب مياه البحر الأبيض المتوسط الذي سيؤدي إلى إغراق جزء كبير من دلتا نهر النيل أو زيادة ملوحة أراضيها. بالإضافة إلى ذلك، يتزايد عدد سكان مصر -الأكبر في العالم العربي- إذ يتجاوز 100 مليون نسمة تقريباً بنفس سرعة انكماش اقتصادها.
بالتوازي مع هذا، قد تُسهم التغيرات المناخية الحادّة وتكثيف حملات قمع الهجرة في جعل مسارات العبور أكثر خطورة من أي وقت مضى، حيث يُسلّط كل هذا الضوء على الموقف الأوروبي الذي يتلخّص في مبدأين: قمع هجرة العرب والأفارقة، والاعتماد على الموارد الإفريقية لتعزيز قدرة أوروبا على تأمين الغذاء والمياه والطاقة. مع أن هذه السياسة المزدوجة القائمة على الاحتواء والاستغلال ليست جديدة، غير أن الأزمة المناخية قد تزيد من تأجّجها ولا جدواها. فإذا تمّ استنزاف الأرض والمياه والطاقة من بلدان جنوب البحر الأبيض المتوسط للاستفادة منها في بلدان الشمال، فهذا سبب إضافي يدفع بسكان المجتمعات التي تعاني من الأزمات المالية والمناخية إلى عرض البحر.
وبحسب الخبراء، فان حلّ هذه المعضلة واضح من حيث المبدأ بقدر ما هو مستعصٍ من الناحية العملية، حيث لا يمكن تدبير التهديد المشترك المتمثل في ارتفاع درجات الحرارة على سواحل البحر الأبيض المتوسط إلا عن طريق سياسات قائمة على الشراكة والتنمية والتفكير التقدميّ .