تابع وجهة
عبد الكريم النّاعم
.. عاد الشيخ، وفور جلوسه، قال له صديقي: “أرجو أن تتوسّع في توضيح مقولة إنّ غضب الأمريكيين أقلّ كلفة من رضاهم، ونحن لم نرَ إلاّ غضبهم”؟!!
التفتَ الشيخ إليّ وقال: “أنت صامت اليوم لا تتكلّم”!!
قلت: “إذا لم يكن في الكلام ما يفيد فلماذا نقوله”؟!!
قال: “بارك الله بك تلك سمة العقلاء”، والتفتَ لصديقي، وقال:
تعالَ ندقق فيما تريده واشنطن، منا ومِن غيرنا، وأتمنّى تقبّل ما أقول، رغم أنّ الواقع الذي نعاني منه ما يترك حضوراً إلا لما نحتاج إليه من الضروريات في حدودها الدنيا، وهو واقع صعب ومرير، ولكنّ ما نحن فيه، أحد أسبابه الكبرى ما تريده واشنطن، ولو افترضنا ارتفاع هذه الإرادة لانْحلّ القسم الأكبر من عُقد مواجهاتنا القاسية. واشنطن يا ابن أخي ما تطلبه هو عيْن ما تطلبه تل أبيب، وهذا يُعيدنا إلى المساحة المنسيّة، أو المُنساة، بحكم قسوة ما يُطالعنا في كلّ ساعة، أنت تعرف أنّ الصهيونيّة شعارها المرسوم على علمها “حدودك يا إسرائيل من الفرات إلى النّيل”، ولقد خيضتْ حروب كثيرة من بداية تسليم الإنكليز للصهاينة، أثناء احتلالهم لفلسطين، ومساعدتهم التي كان لها الدور الأكبر في قيام الكيان الصهيوني؛ خيضت هذه الحروب، وفي كلّ مرّة كانت “إسرائيل” تقضم جزءاً من الأرض العربيّة، حتى وصلنا إلى ما نحن فيه الآن، إذ أنكم تعرفون التفاصيل، وبعضكم عايش مفرداتها، فوصلت “تل أبيب” إلى مرحلة لم تعد قادرة على تحقيق ما تطمح إليه بالقوة العسكريّة، لا سيّما بعد أن أصبحت المقاومة في جنوب لبنان، أعني حزب الله، قوة يحسب لها العدو الصهيوني كل حساب، بل وأصبحت لاعباً حتى في انتخابات الداخل الإسرائيلي، واهترأت الكثير من أوراق كامب ديفيد، ومن مراهنات، أو مُداهنات أوسلو، وحدث هذا الاستعصاء الذي هو لا حلّ، ولا عدم حلّ، وسقط معه الرهان على اختراق المجتمع العربي، وكانت مصر، بشعبها، نموذجاً رائعاً لرفض ما حلمتْ به “إسرائيل”، وتغيّر الاتجاه نحو الاكتفاء بإقامة علاقة شبه تطبيعية مع بعض العواصم العربيّة، ولا يجوز أن ننسى الدور الإيراني، مستنداً إلى إنجازاته التي تجعل إسرائيل وأصدقاءها في قلق دائم.
سأختصر، للوصول إلى النتيجة، ما تريده واشنطن من سوريّة إقامة علاقات مع “إسرائيل”، عبر مقولة “السلام مُقابل السلام”، ولو تحقّق ذلك فإنّه يعني سقوط قلعة المقاومة، واختراق قلب العروبة النابض دمشق، وباختراق هذه القلعة ستنهار روح المقاومة لأزمنة لا يعلمها إلاّ الله، ولم تحدث حرائق الخراب العربي في سوريّة إلاّ لأنّها قالت “لا” لما تريده واشنطن و”تل أبيب”؛ وحين فشل المخطط المرسوم، ودفعْنا أثماناً غالية، وباهظة، اختارت واشنطن أن يبقى الحريق متواصلاً، لأنّ مصير العديد من قضايا العالم الحساسة متوقف على ما ترسو عليه نهاية الأحداث في بلادنا العربيّة.
قد يقول قائل يا أخي “لنتهادن قليلاً مع الأمريكان فعسى أن نخرج ممّا نحن فيه”، وهنا أقول لهؤلاء: أنظروا إلى مجريات الأحداث في بلدان عربيّة أخرى تهادنت مع واشنطن، فهل وصلت إلى بعض ما يريده الشعب فيها؟!! خذوا ليبيا مثالاً، خذوا العراق، هل عرف الراحة المرجوّة منذ احتلاله؟!! قد تبدو بعض الأمور أقلّ حدّة في بعض المناطق، بيد أنّها دون الكثير من أصغر الأحلام الشعبيّة.
إنّ الأمريكان يريدون أن يجعلوا كلّ ما نحلم بتحقيقه بيد “تل أبيب”، وهكذا تبدو كلفة المقاومة أقل بكثير من كلفة الموافقة، وعلينا انتظار ما ستتمخض عنه أحداث ما بعد طوفان الأقصى..
aaalnaem@gmail.com